رواية "امرأة من ظفار"، تفتحت أكمام مشتل أزهار بامتداد السهول والربى والتلال، ومن قمم الجبال حتى الوديان السحيقة كان ثمة عبير فواح يأتيك مع النسيم العليل، فتنبعث حلقات الشعراء يتبارون بـ «المشعير» والـ«دبرارت» مرددين أشعار الحب الرقيقة، وحكايات المحارب الحمي
قراءة كتاب امرأة من ظفار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
(2)
في تلك الفترة، كانت حظوظ أبي والأهالي وافرة، فمواسم الرعي والصيد كانت جيدة وأمطار الخريف صبَّت قرابها «مخايل» أي وفقاً لتعبير الأهالي: سالت الأودية، وامتلأت الشعاب، وتدفقت الينابيع، وفاضت شلالات «دربات» وشربت العروق والآبار والسهول والجبال والبوادي من ماء سماء لا ينقطع.
اعشوشبت السهول الناعسة «بالسعد» الذي كبر واستطال فتمايل مع النسيم العليل وكأنه هو الآخر يرقص رقصة الخصب في حضرة «ربي» الخصب والحياة «واسنلي» و «سانلي» هذين الإلهين الظفاريين الوثنيين اللذين خلدا في الذاكرة الشعبية بالرغم من تعاقب الأديان والأزمنة.
كان الإله «واسنلي» كريماً ومعطاءً وكان خدنه الإله «سانلي» مقداماً ومحباً يلوذ به كل محتاج وخائف.
كبرت ثروة أبي من الأبقار، وأصبح ملاكاً متوسطاً؛ ابتاع لنا أبي من ثروته الجديدة بيتاً في مرباط يأوي إليه، ونحن معه أحياناً.
كان هذا البيت المتواضع في مدينة مرباط يشير إلى مكانة أبي النامية في الأوساط القبلية في الريف والمدينة. كبر أبي فكبرنا معه. وسعد أبي فظللتنا سعادته بألوان من الفرح والقناعة والحبور.
في الريف كانت «الأحكوب» تردد الأهازيج لكأنها جوقة موسيقى تعزف «للمشعير» عبر السهول والجبال وترددها «الأحكوب» أي «القرى» فتتدثر بالغابة وزقزقات طيورها وأناشيد حيواتها. ويمتد كل ذلك فإذا رايات قلع السندباد تغني سيمفونيتها الخالدة «ومشعيرها» «مشعير» للكرامة، وللإباء، لعزة القبائل الحميرية الباسلة:
تلك كانت طفولة شعب
طفولة الإلهين الوسيمين
واسنلي وسانلي
طفولة أرض الغدران والينابيع
أرض اللبان
لم يكن عالمنا نحن الفتيات الصغيرات والفتيان الصغار بعيداً عن كل ذلك، كانت أفراحنا تكتمل عندما يطل البدر المنير على أكواخنا والسماء صافية، كان الكبار يتطارحون الغرام، وكنا نحن الصغار نلحظ ذلك فنتطارح غراماً طفولياً ساذجاً وبريئاً.
كانت تلك أياماً للهوى والغرام للحكايات السحرية، وللشاعر الساحر، الذي «لوحظ» والإلهان واسنلي وسانلي يجوبون القرى ويلهون وعرافات القبائل في بحيرات الينابيع الرقراقة حيث خمر يتدفق من عضو الإله سانلي فتتلقفه العرافات الثملات الشبقات ليصنعن منه رقاً وترياقاً وأشياء سحرية خاصة تقدمها العرافات هدايا لساحرات خور روري «المعظمات».
في إحدى تلك الليالي السحرية من ليالي البدر المنير، والسماء صافية اقتادتني صديقتي الصغيرة نحو أكمة وطلبت مني أن أدعك «عضوها» بسائل قالت إنه تدفق من عضو الإله المحبوب سانلي
فعلنا ذلك بالتناوب
وحين عدت إلى كوخنا
كان والدي يتطارحان الغرام
كانت السماء صافية
والبدر المنير يمسد شعري
ويدعو إله السماوات والأرض
الرحمن الرحيم
أن يباركني.