قراءة كتاب امرأة من ظفار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
امرأة من ظفار

امرأة من ظفار

رواية "امرأة من ظفار"، تفتحت أكمام مشتل أزهار بامتداد السهول والربى والتلال، ومن قمم الجبال حتى الوديان السحيقة كان ثمة عبير فواح يأتيك مع النسيم العليل، فتنبعث حلقات الشعراء يتبارون بـ «المشعير» والـ«دبرارت» مرددين أشعار الحب الرقيقة، وحكايات المحارب الحمي

تقييمك:
3
Average: 3 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

(6)

قضينا شتاء تلك المرحلة في مرباط.
كان منزلنا عبارة عن غرفتين وفناء واسع، في الغرفة الواسعة المستطيلة كان أبي وأمي، وفي الغرفة الأخرى انحشرنا أنا وأخوتي، كان كل شيء مشتركاً وأليفاً، وفي الفناء كنا نقضي معظم أوقاتنا نتبادل الأحاديث، وفي جلسات السَّمر كنا نرقص البرعة وطبل النساء.
في حارات مرباط تمتعتُ بمباهج الألفة والتضامن، الحارات مفتوحة على المنازل، والبيوت مشرعة أبوابها لا تغلق أبداً، كنا ننتقل بسهولة ويسر من بيت إلى آخر، وفي الحارات و«الدكك».
كنا نمضي كلٌّ إلى غايته، هنا «مشعير»، وهناك طبل النساء، وفي «الدكك» وعلى استراحات المساجد كانت الحكايات تترى، حكايات البحارة الآتين من موانئ أخرى، من زنجبار ومقديشو وصور والبصرة وماليندي وبومباي، موانئ ليس لها عدٌّ، في كل ميناء حكاية، وهدايا وسلع، وأحياناً دموع وابتسامات للربان الذي مضى نحو جنيات البحر في اللجة، وللسفينة «الغنجة» التي اختارت لحدها هناك بالقرب من جون العشاق قريباً من جزائر خوريا موريا، أو في «غبة سلامه» حيث ظفر البحار الجسور بمعشوقته جنية البحر عارية، ثم هوى معها متدثرين «بقلع» سفينته في اللجة المظلمة نحو عمق سبعة محيطات وعشرة بحور حيث وضعت جنية البحر مولودها من البحَّار الإنسي الجسور،مولودها الذي أسمته أسد البحر الظفاري وأورثته سلطانها البحري ممالك المرجان، وحدائق الذهب والزمرد، وغابات اللؤلؤ ، وبلاد غانيات سرنديب الفاتنات.

(7)

كان جارنا سعيد وسيماً وأليفاً ذا سيرة عطرة، وتاريخ أبيض. صادفته وأنا أصعد سلالم منزله، فنظر إلي وتمتم:
- ما شاء الله أصبحت امرأة.
التقطت ذلك سريعاً، وانطبعت كلماته في ذهني إلى الأبد، حاولت أن أطيل الحديث معه لكنه مضى، قابلتُ امرأته المكتنزة كبقرة سمينة، كانت تتمدد على السرير شبه عارية، ضقت ذرعاً بأمري، فخرجتُ من دارها أبحث عن صديقتي «فوطمت» مستشارتي لشؤون «الحب» فلم أجدها. عدتُ إلى دار جارتي البقرة السمينة «محبيت» علني أحظى برؤية جارنا الحبيب سعيد، لم تمهلني أمي كثيراً، فقد جاءت وأخذتني إلى بيتنا.
ثمة جلبة وضجيج نساء في دارنا، أقعدتني أمي على السرير وأسدلت خيمة شفافة علي، كانت تلك الخيمة من النوع الذي يستخدم للوقاية من لسعات البعوض، وحين انطلقت زغاريد النساء فهمت أنني قد أصبحت عروساً.
مَرَّ كل شيء سريعاً وحين حلَّ المساء التفَّت صديقاتي حولي، وفهمتُ منهنَّ أن عريسي هو علوان المعاميري وهو ابن عقيد عسكر مرباط سعيد المعاميري.
لم أفهم من المسألة إلا النزر اليسير، فلم تكن لي آنذاك تجربة جنسية، ولم أتحدث مع صديقاتي في أمر هذه الحالة، ولكن هذه الجلبة والزغاريد والقبل، والجوّ الجديد المثير الذي شاع فجأة في بيتنا أدخل السرور على قلبي وجعلني أشعر أنني محور اهتمام الجميع.
كنتُ قد لمحتُ علوان غير مرة في مناسبات شتى، لم يكن ليثير اهتمامي بالرغم من تهافت بعض صديقاتي عليه.
الآن وقد أصبح علوان مشروع زوج لي فقد بحثتُ عن إحساس ما نحوه فلم أعثر عليه، ومع ذلك لم أحس بمشاعر سلبية نحوه، فقد كان علوان بحزام الرصاص المتزر به والسكين في وسطه وبندقية «الصمعة» التي يحملها على كتفه، وكونه عضواً في ميليشيا شبه عسكرية، مطلوباً ومحبوباً من بعض صديقاتي، فهذا الفتى الذي يفيض رجولة هو أيضاً ابن عقيد عسكر الوالي أحد أهم ذوي النفوذ في الولاية.
تنتمي قبيلة المعاميري إلى سهل الباطنة في الشمال العُماني، امتازت هذه القبيلة بتنظيم أفرادها شبه العسكري، فهي كقبيلة تفردت بتنظيمها الميليشوي شبه العسكري وبطاعة عمياء لقيادتها القبلية.
في سهل الباطنة مارست هذه القبيلة مهن الرعي وزراعة الكفاف والصيد، ففي سنوات المحل والجفاف تعاني كقبائل أخرى في سهل الباطنة السغب والمجاعة.
غالباً ما دبَّت الصراعات على أساس الهناوية والغافرية في عُمان الشمالية، وهو خلاف أيديولوجي في أساسه، ضمن مؤسسة الإمامة الإباضية، وإلى جانب ذلك كان هناك نظامان مختلفان كلياً... نظام الإمامة، ونظام السلطنة، وكان الرأي العام والقبائل في عُمان مواليين على الأغلب لنظام الإمامة، بيد أن قيادة قبيلة المعاميري كانت موالية لنظام السلطنة المدعوم من الإنجليز.
في «مملكة ظفار» وفي المناطق السنية على وجه الخصوص احتاج نظام السلطنة إلى هذه الميليشيات شبه العسكرية لحماية النظام ولفرض سيطرته وسلطته.
شاركت ميليشيات قبيلة المعاميري السكان في السغب والجوع، فلم يكن دكتاتور نظام السلطنة ليمنح هؤلاء إلا ما يقيم أودهم، وكان الفقر والجوع يلاحقانهم شأن السكان، ومع ذلك ظلت هذه الميليشيات موالية للنظام حتى اللحظات الأخيرة.

الصفحات