رواية "امرأة من ظفار"، تفتحت أكمام مشتل أزهار بامتداد السهول والربى والتلال، ومن قمم الجبال حتى الوديان السحيقة كان ثمة عبير فواح يأتيك مع النسيم العليل، فتنبعث حلقات الشعراء يتبارون بـ «المشعير» والـ«دبرارت» مرددين أشعار الحب الرقيقة، وحكايات المحارب الحمي
قراءة كتاب امرأة من ظفار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
(5)
من يعرف هذه الجبال يدرك أنها تكاد تنطق وتقول، ومن سامر هذه السهول يحس كيف تخفي حملها الذي بدا أن أيام مخاضه قد حلت وأقبلت.
وفي مرباط وما حولها من القرى والسكون كان الجميع يشعرون أن خطباً جللاً سوف يحل، كل شي في حياة هذه البلاد: الماء، والهواء، والليل، والنهار، والعيون، والمشاعر، والرغبات والأحلام تشير إلى أن هذه البلاد مقبلة على ثورة عارمة، ثورة ستحدد مصيرها لعقود، ثورة ستكتب مأساتها بالدم والدموع.
في هذه الأجواء، تسلل رجل عبر الحدود مع اليمن قاطعاً طريقاً طويلاً إلى مرباط، كان هذا الرجل يحمل صندوقاً، صندوقاً سحرياً يتكلم ويغني، تقاطرت السهول والجبال لرؤية وسماع هذا الساحر الجديد، أسقط في يد العرافات، وساد صمت ساحرات خور روري، كان الصندوق يهتف بلسان الساحر الجديد: «ارفع رأسك يا أخي فقد ولّى عهد الاستعمار...»
جارنا في مرباط الصياد سعيد الذي ينتمي إلى إحدى القبائل القوية في الجبال المجاورة كان ممشوق القامة كرمح، جميلاً بجدائله الطويلة، رفع رأسه باعتداد ولم يحنه حتى لحظة إعدامه بعد ذلك بسنين... انهالت الرصاصات عليه فلم ينحنِ، وهوى نحو معشوقته الأرض في عناق لا ينقطع.
ظفار التي احتوت أعظم مدونة من الرسوم والكتابات لحضارات عظيمة سجلت تاريخها بعناية ودقة في الجبال والسهول والأودية والبوادي لكأنها «سبورة» تنطق بماض عظيم، هذا الماضي الذي أصابه الوهن، فقعدت قبائله تتقاتل في ظل جهالة وتخلف شديدين وحصار إمامتين إحداهما في اليمن، وأخرى في عُمان الداخل أشد تخلفاً، وسلطنة في مسقط كانت كل الدلائل تشير إلى هيمنة المشروع الاستعماري البريطاني عليها.
عوض الموت، الذي كان وطنياً ظفارياً خالصاً، والذي أعياه صراع القبائل، شكل وفداً وذهب إلى حكام مسقط يعرض عليهم مشروعاً وحدوياً: ظفار ومسقط كيانان في واحد.
كان حكام مسقط يعانون مصاعب جمة، أُسقطت الأسرة الحاكمة في إثر ثورة الإمام عزان بن قيس الوطنية، فتدخلت بريطانيا وأعادت حكم هذه الأسرة إلى مسقط، ومع ذلك ظل العُمانيون يرفضون حكم هذه الأسرة، وظل الوطنيون الإباضيون قوة غالبة ومشروعاً وطنياً للتغيير.
كان مشروع عوض الموت نعمة هبطت من السماء على حكام مسقط، فتمَّ إلحاق ظفار كملكية خاصة بالأسرة، ونفي عوض الموت إلى ضلكوت حيث مات فقيراً معدماً.
ودخلت ظفار في نفقٍ مظلمٍ؛
كان شعب ظفار يستحق أكثر من هذا
أصبح الاستعمار عربياً،
بل إن المسألة معقدة ومركبة.
سلطة الاستعمار تختار من نخبة البلاد التي تستعمرها نخبة تحتل بلداً آخر وتستعمره بالوكالة، حدث هذا مع الإمبراطورية العُمانية في زنجبار.
واليوم يحدث في ظفار؛
انتفضت قبائل القرى
فصمتت قبائل الكثير
وثارت قبائل الكثير
فحيدت قبائل القرى،
والآن جاء الصندوق السحري كما نبي جديد.