قراءة كتاب الآباء اليسوعيون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الآباء اليسوعيون

الآباء اليسوعيون

"الآباء اليسوعيون"؛ هذا كتاب خارج عن المألوف بموضوعه ومضمونه.

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

الفصل الثاني

اليسوعيون ونقاوة الدم

نشأت الرهبانية اليسوعية انطلاقاً من إسبانيا في القرن السادس عشر، في الوقت الذي أعلن فيه الملك فرديناند والملكة إيزابيل الكاثوليكيان عن شعارهما الشهير الموجّه إلى اليهود والمغاربة، أي المسلمين في الأندلس بعد سقوط غرناطة: العماد أو المنفى(Bautismo o expulsion). يعتقد المؤرخ الإسباني اليسوعي أوزيبيو راي أنّ «عملية 1492 الجراحية» كانت الحلّ الوحيد من أجل مقاومة خطر اليهود على العالم الكاثوليكي، إذ منذ نهاية القرن الرابع عشر كانت كنيسة إسبانيا قد تكاثرت فيها أعداد المهتدين الجُدُد. في الوقت الذي بدأ فيه الرهبان الفرنسيسيون مرحلة الإصلاح الكاثوليكية التي غيّرت وجه المسيحية الإسبانية، لم يتخلّ هؤلاء اليهود المعتنقون للديانة المسيحية عن معتقداتهم الدينية القديمة بعد مرور25 سنة على صدور مرسوم الملكين الكاثوليكيين.
المسيحيون الجُدُد الذين اعتنقوا المسيحية طوعاً أو بالإكراه، كانوا من اليهود المهتدين الكافرين (marranes)، الذين حاولوا إخفاء ولائهم لديانتهم الأولى تحت هدايتهم الشكلية. أما القسم الثاني فهم المهتدون الجُدُد (conversos) الذين اهتدوا قلباً وقالباً إلى المسيحية الكاثوليكية، وما لبثوا أن لعبوا دوراً هاماً في تاريخ الرهبانية اليسوعية وتاريخ إسبانيا. مع حلول العام 1530 كان ثلث معتنقي المسيحية في إسبانيا من أصل يهودي، وفي هذا الجو هرب أغناطيوس من بمبلونه وسلّم نفسه إلى المحكمة الكنسية بعد ملاحقته من «شرطة الإيمان». بعدئذٍ، تمّ سجنه لبعض الوقت، إذ كانت محاكم التفتيش تتربص بكل من يتجرأ على التفوّه بأمور قد تعتبر كفراً، موجِهَة سهامها إلى هؤلاء المسيحيين الجُدُد.
شدّد الأب أوزيبيو راي على أهمية انخراط هؤلاء في الرهبانيات الكاثوليكية وفي الهرمية الكهنوتية، لأنه رأى لهذا الانخراط أسباباً اجتماعية، خصوصاً وأنهم كانوا يجدون داخل الرهبانيات الكاثوليكية ملاذاً آمناً في مجتمع كثير الحساسية تجاه نقاوة الدم (Limpiezia de sangre). القرار الملكي لعام 1492 نقل النقاش من الحقل الديني إلى الحقل العرقي ووضع أسس إستراتيجية التطهير، وإنه بدل أن يوحّد المجتمع الإسباني، قسّمه إلى فئتين: الأنقياء وغير الأنقياء، يميزهما مبدأ نقاوة الدم الذي نشر عام 1547 على يد المونسينيور مارتينيز سيليسايو رئيس أساقفة توليدو. كانت عملية التطهير هذه تتم على ثلاث مراحل: التفريق، ثم العزل، وأخيراً النفي أو الموت، مما حرّض محاكم التفتيش على ملاحقة المهتدين الكافرين، والقضاء عليهم في جو يسوده الشك والتخوين11.
إن أغناطيوس الذي مثل أمام محاكم التفتيش في مدينة ألكلا ردّ على سؤال أحد القضاة إذا كان يتبع تقاليد السبت مع أتباعه، قائلّا بحدة: إنه ليس على علم بالسبت لأن البلاد التي يتحدر منها لا تعرف أي شيء عن اليهود، مما يدل على الجو المعادي لهم السائد في إسبانيا الكاثوليكية في ذلك الوقت. يعتقد بعض المؤرخين أن عائلة دي لويولا ارتبطت بالزواج مع عائلات يهودية، وهم يلمحون باحتمال كون دي لويولا يهودياً، والمؤرخ الألماني يورغ لومر يتحدث عن لويولا باعتباره نصف يهودي، ولكن من المؤكد أن أغناطيوس أصرّ على استقبال العبرانيين ومَنع ِ حظر دخولهم إلى الكنيسة الإسبانية مذكراً بالأصول اليهودية للديانة المسيحية .
دافع الأب ماركوريان الخلف الثالث لأغناطيوس من خلال قناعاته عن الأب الرئيس الأول للرهبانية اليسوعية وترداده أمام الجميع أنه سوف يكون ممتناً لله تعالى لو أنه تحدّر من أصل يهودي. دافع دي لويولا أيضاً عن اليهود في تلك الفترة التي تمّ فيها اضطهادهم كما المسلمين من طرف المسيحية الكاثوليكية، والظلم الذي لحق بهم جرّاء المرسوم الملكي الصادر عام 1492 عن فرديناند وإيزابيل. في هذا الشأن اتخذ أغناطيوس قراراً يقضي بتأسيس منظمة تسهّل اعتناق اليهود الديانة المسيحية، وقراراً آخر يقضي بقبول جميع طلبات الانتساب إلى الرهبانية اليسوعية من طرف المسيحيين الجدد دون استثناء أو تمييز. تجاهل أغناطيوس في هذا الشكل ردّات فعل باقي الرفاق أو الحبر الأعظم، على مثال بولس الرابع المناهض «للسامية»، أو أي بلاط ملكي كما أي هرمية كاثوليكية إسبانية.
عملية اهتداء اليهود إلى المسيحية موضوع كثير الحساسية لا يمكن التطرق إليه بخفة، إذا حاولنا أن نعرف حقيقة مشاعر اليهود الرافضة ضمنياً وقلبياً الاهتداء إلى المسيحية، مما جعل أحفاد ابراهيم يعتنقون مبادىء ديانة وكنيسة مهرطقة في نظرهم، وكانت سبب آلامهم وشقائهم. في هذه الأجواء، حاول أغناطيوس جاهداً إقناع الحبر الأعظم بتسهيل عملية الاندماج الاجتماعية والاقتصادية للمسيحيين الجُدُد على الرغم من معارضة بعض أتباعه، كما الكنيسة في روما. هنا، انتفض الأب الرئيس الأول على ظلامية مرسوم 1492 ومفاعيله، وعلى الغبن اللاحق بالمهتدين الجُدُد واضعاً قاعدة أساسية لقبول الانتسابات إلى الرهبانية اليسوعية وهي عدم وجود أي عائق يتعلق بأصول طالبي الانتساب. كان أغناطيوس ربما، على بيّنة من أصول دييغو لينيث اليهودية منذ مرحلة مونتمارتر، وهو الذي كان أول من خلفه على رأس الرهبانية اليسوعية.
من الضروري التساؤل هنا، هل أخذ أغناطيوس في عين الاعتبار أصول خوان بولانكو أو خوان دي أفيلا أو فرانشيسكو دي توليدو أو خوان باتيستا رومانو أو غيرها من الأسماء المثيرة للجدل، وهي أسماء توحي هكذا باعتناق المسيحية منذ فترة قصيرة. لقد أتى موقف أغناطيوس في هذا الشأن جريئاً إذ كان يعلم أنه يشكل عليه وعلى مؤسسته الناشئة خطراً جسيماً وإمكانية استعداء الهرمية الإكليريكية وبلاط قشطالة كما بلاط البرتغال.
أما أشد الذين حاربوا أغناطيوس بسبب ميوله اليهودية فكان رئيس أساقفة توليدو الذي حاول الضغط عليه من أجل رفض دعوات المسيحيين الجُدُد وعدم قبول أي انتساب منهم إلى الرهبانية اليسوعية، ولكن محاولته باءت بالفشل. كذلك الأمر بالنسبة إلى بلاط إسبانيا، وأهم رجل مقرّب من ملك إسبانيا دون روي غوميز دا سيلفا الذي أجابه أغناطيوس قائلاً: «إن الرهبانية اليسوعية لا يمكن ولا يجب أن تستثني أحداً». هكذا، عمل أغناطيوس وأعوانه على هداية اليهود ودمجهم في المجتمعات المسيحية ونجح في إقناع الحبر الأعظم بولس الثالث في إصدار البراءة البابوية cupientes judaeos في آذار 1542 التي نصّت على أن اليهود الذين يعتنقون الديانة المسيحية يستطيعون المحافظة على جميع ثرواتهم وممتلكاتهم. وقد لحظت هذه البراءة البابوية أيضاً أن الأولاد اليهود الذين يهتدون إلى المسيحية رغماً عن إرادة أهلهم يرثون كما لو أنهم ما زالوا يهوداً.

الصفحات