كتاب "الأسرى الأحرار - المجلد الأول"؛ الأسرى الأحرار صقورٌ في سماء الوطن، إنه كتابي، وسجل ذكرياتي، وذاكرة أيامي التي أفخر بها وأعتز، فهي جزءٌ عزيزٌ من حياتي، ورصيدٌ كبيرٌ راكمته في عمري، فكان أساساً لرأس مالٍ عز أن يخسر، نما مع الزمان، وكبر مع الأيام، واست
أنت هنا
قراءة كتاب الأسرى الأحرار - المجلد الأول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وتناول الكتاب بالبحث إنجازات الأسرى على مستوى التعليم والثقافة، بدءاً من الحلقة الصغيرة وصولاً إلى الجامعة، وبينت الصعاب والعقبات التي اعترضت مسيرتهم التعليمية، وكيف استطاعوا أن يقفزوا عليها وأن يتحدوها بقوة، حتى تخرج من الأسرى جامعيون بدرجاتٍ علمية مختلفة، وأنهى كثيرون فيه تعليمهم الثانوي، وأسسوا لتعليمٍ جامعي بعد نيلهم الحرية، وأصبح كثيرٌ منهم بعد نيلهم الحرية أساتذةً في الجامعات، وكتاباً وشعراء ومهنيين كباراً.
ولم أنس في هذا الكتاب استعراض معاناة الأسرى الصحية، وتعمد سلطات الاحتلال استخدامهم كمختبرات أدوية، تجرب عليهم الجديد منها، مما لا تعرف آثاره ومضاعفاته، وبينت وسائلها في التعامل مع الأسرى المرضى، ومماطلتها في العلاج وإجراء العمليات الطبية اللازمة، ورحلة العذاب المضنية من وإلى مستشفى السجن، وبينت وسائلها الكثيرة في قتل وتصفية وإعدام الأسرى، داخل السجون وخارجها، بالرصاص أو بالسم أو بغيرهما.
تناولت بكثيرٍ من الأمل واليقين، سبل الحرية وآفاق الخروج من السجون والمعتقلات، وبينت الوسائل الجدية الحقيقية التي تقود إلى الحرية وتعيد الأسرى إلى بيوتهم وأسرهم، وتلك التي يعمد إليها الاحتلال لذر الرماد في العيون، ومحاولة كسب الرأي العام وتحسين صورته، وكشفت عن جهود بعض المؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية التي تعمل لمصلحة الأسرى، وتحاول أن تخفف من معاناتهم، وتحسن شروط اعتقالهم، وتواجه «سلطات الاحتلال الإسرائيلي» بقوة القانون الدولي وشرائع حقوق الإنسان، وهي مؤسساتٌ جادة، تعمل بجدٍ واجتهاد، لا تيأس ولا تمل، رغم عناد الاحتلال وإصراره، ورفضه الانصياع إلى الشرعة الدولية وقوانين حقوق الإنسان، كما أنها بدأت تواجه سلطات الاحتلال أمام محاكمه الخاصة وأمام القضاء الدولي المختص، وتحاول أن تفضح جرائمه أمام المجتمع الدولي، وتحرك القضاء الدولي في كل مكانٍ ضد ممارساته القمعية ضد الأسرى والمعتقلين.
ولست فيما كتبت مدعياً أنني أحطت شمولاً بكل شيء، ووصفت كل ما يدور داخل السجون والمعتقلات، التي يوجد فيها أهوالٌ وأهوال، وأشياء جديدة ومبتكرة يصعب وصفها أو الكتابة عنها، وكل أسيرٍ يحمل معه ذكرياتٍ خاصة، وملاحظاتٍ كثيرة، وتجارب عاشها بنفسه، ولكني آمل أن أكون قد ساهمت، ولو قليلاً، في كشف بعض «الجرائم الإسرائيلية» بحق أسرانا ومعتقلينا، وساعدت الأجيال القادمة في الإحاطة بوسائل الاحتلال وطرقه في التعامل مع الأسرى والمعتقلين، ليكونوا على علمٍ وحذر، إذ إن المعركة مع «الاحتلال الإسرائيلي» لاتزال باقية، وسجونه لاتزال مفتوحة، وأمنه لايزال يعمل، ولن تتوقف المعركة معه، ولن تغلق السجون، ويتحرر الأسرى، إلا بتحرير الأرض، واستعادة المقدسات، وطرد الاحتلال، ولهذا وجب التعلم والتنبيه ومواجهة الاحتلال بكل الوسائل والسبل الممكنة.
* * * * *
الشكر لله أولاً وآخراً أن مكنني من المساهمة ولو بالنزر اليسير في الدفاع عن أشرف قضايا الأمة، وهيأ لي الظروف للكتابة دفاعاً عن أسرانا البواسل، وذلل أمامي الصعاب التي ظننت أني لن أقوى على تجاوزها أو تخطيها، فقد كانت صعاباً كثيرة، ولكن الله منَّ عليً فأنعش ذاكرتي، وأسعف نفسي بذكرياتها الأليمة والحزينة، والسعيدة والجميلة، فاستحضرت الماضي كله، وعشت أيامي في السجون كما عشتها، وتهيأت أمامي السجون بمبانيها وأسلاكها الشائكة، وزنازينها وأغطيتها المحدودة، وبراداتها وأفرانها، وعادت بي الذاكرة إلى أيام التحقيق، وجلسات التعذيب، وفنون المحققين القاسية، ومحاولاتهم المحمومة لاستنطاقي وجرّي للاعتراف، وتذكرت إخواني ورفاقي، ومن كان نزيلاً معي في الزنازين، ومن شاركني شظف العيش في معتقلات النقب الصحراوية، وتحمل معي أيامها الصعبة، حرارة الصيف اللاهبة، وبرد الشتاء القارس، فأحمد الله أن منحني هذه الذاكرة لئلا أكون مضطراً لعصرها أو البحث عما عانيت ولاقيت عند غيري ممن قد يملكون ذاكرةً أفضل من ذاكرتي، وممن نالهم أشد مما تعرضت له، وإن كنت في حاجةٍ إليهم، وقد أعود إلى كثيرٍ منهم عند قراءتي التالية لكتاب أيامي هذا.
بعد شكر الله عز وجل، صاحب الفضل والمنة، أهل الوفاء وصاحب العطاء، لا أنسى زوجتي الكريمة الأثيرة، التي منحتني من وقتها، وتنازلت لي عن كثيرٍ من حقوقها، فصبرت على غيابي، وتجاوزت عن تقصيري، وساهمت معي في قراءة هذه الصفحات ومراجعتها، والتدقيق فيها، وهي المحبة للعلم، المجدة في دراستها، والمثابرة في جامعتها، والمتفوقة دوماً في درجاتها ونتائج امتحاناتها، فقد أعجبها أن أكتب عن الأسرى، وأن أساهم في التخفيف عنهم، وأن يكون لي سهمٌ في نشر معاناتهم، وتوضيح حقيقة ظروفهم، فلها أقدم الشكر دوماً كما في كل كتابٍ لي، وأشعر أنه لولا الهدوء الذي توفره لي، والاستقرار الذي تحرص عليه في حياتنا، ولولا المحبة التي تغرقني بها، والحنان الذي تغدق به عليّ وعلى بناتها، والحرص الذي تبديه لأن يكون لنا في الحياة دور ومهمة، وأن تكون لنا مساهمة ولو بسيطة في قضايا الأمة الكبيرة، فلا أنسى شكرها، ولا أقلّل من شأن فنجان القهوة الذي تصعد به إلي في مكتبي، تحمله وتسرع به لتقدمه لي ساخناً كما أحب، وكذا مفاجآتها وهي تحضر لي ما أحب ليساعدني على الكتابة، ويحول دون ضياع وقتي، فلزوجتي التي أحب الشكر الموصول، ولها أدعو الله بالأجر والمثوبة وحسن الخاتمة كما تحب هي أن تدعو الله دوماً أن يحسن ختامها، وأن يحفظ عليها عقلها ودينها.
والشكر أقدمه إلى أخوين عزيزين كريمين، أما الأول فقد وقف معي في محنتي، وساندني في مصيبتي، ولم يتأخر عن مساعدتي، وهو المصاب المبتلى، المعاني من هول الابتلاء، وقسوة المحنة، وجسارة الخسارة، ولكنه تجلد وصبر، وتسلح بالصدق والإيمان، وتعاهد وإياي على المضي على بركة الله، فمن كان الله معه فلن يخذله أحد.
أما الثاني فقد عرّفه عليّ الأول، ولم تكن لي به سابق علاقةٍ ومعرفة، عرفني في المحنة فما خذلني، وصادقني في الابتلاء فما تخلى عني، اقترب مني عندما انفض الناس، سرني موقفه، وأسعدتني مشاعره، وأسعفتني كثيراً كلماته، وأعجبتني أفكاره وطموحاته وتطلعاته، سمع عن مشاريعي وأفكاري، وتعرف على رغبتي في البحث والدراسة والكتابة، ففاجأني يوماً دون علمي بأن هيأ مكتبي وهو الخاوي من كل شيء بعد المحنة المالية التي أصابتني، بكل لوازم الدراسة والكتابة والبحث، فجهزه بالجميل، وهيأه بالوثير، ووفر فيه كل ما يطمح إليه باحث ويتطلع إليه دارس، فغدا مكتباً جميلاً مريحاً أقضي فيه أفضل أوقاتي، وأجمل ساعات عملي، أكتب فيه أفضل مقالاتي وخيرة كتاباتي، فإليهما معاً أتوجه بالشكر الجزيل، معترفاً بفضلهما ومقدراً جهودهما.
أسأل الله العلي القدير أن أكون قد ساهمت بجهدي المتواضع في معركة أسرانا البواسل مع «الاحتلال الإسرائيلي»، وأن أكون بما قدمت قد أفدت أهلنا وشعبنا وأجيالنا القادمة، ونفعت إخواني الأسرى وأخواتي الأسيرات، وساعدت في حفظ حقوقهم، وتثبيت معاناتهم، وتأكيد تضحياتهم، وهي أكبر من أن أدونها في كتاب، أو أسطرها في صفحات، ولكنه جهدُ المقل، وعملٌ أسأل الله عليه الأجر والمثوبة، وأن يكون مساهمةً مع غيره من الأبحاث والدراسات في تحرير الأسرى أو تحسين شروط اعتقالهم، ومنع الاحتلال من مصادرة حقوقهم والتغول عليهم.
دمشق في 31 مارس / آذار 2012