كتاب "الأسرى الأحرار - المجلد الأول"؛ الأسرى الأحرار صقورٌ في سماء الوطن، إنه كتابي، وسجل ذكرياتي، وذاكرة أيامي التي أفخر بها وأعتز، فهي جزءٌ عزيزٌ من حياتي، ورصيدٌ كبيرٌ راكمته في عمري، فكان أساساً لرأس مالٍ عز أن يخسر، نما مع الزمان، وكبر مع الأيام، واست
أنت هنا
قراءة كتاب الأسرى الأحرار - المجلد الأول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الأول
مفهوم «الأمن الإسرائيلي» وفلسفة التعذيب
«أمن الدولة الصهيونية ليس قضية حماية الأراضي أو الحدود أو السيادة، وإنما هي قضية البقاء على قيد الحياة من الناحية الفيزيائية».
دافيد بن غوريون
الأسرى في المفهوم الأمني الإسرائيلي...
«إسرائيل» دولةٌ تقوم على الأمن منذ اليوم الأول الذي تأسس فيه كيانهم المشؤوم فوق الأرض العربية الفلسطينية، بل إن الأمن المناقض للخوف قد لازمهم مدى التاريخ، وعاش في قلوبهم وانعكس على حياتهم على مدى الزمن، إذ لم يعرفوا طوال حياتهم فتراتٍ من الأمن والاستقرار والسلام، بعيداً عن الخوف والقلق وترقب المجهول، سوى تلك المراحل الزمنية الذهبية التي عاشوها في كنف الدولة الإسلامية، وفي ظل الخلافة الإسلامية الراشدة وما بعدها، فهم شعبٌ مسكونٌ بالخوف منذ آلاف السنين، يسيطر عليهم الخوف والرهبة والخشية من الآخر، فلا يعيشون إلا في غيتواتٍ مغلقة، وتجمعاتٍ يهودية نقية، يخافون على أنفسهم من الآخر أياً كان، ولا يأمنون العيش في جنبه، أو الإقامة في جيرته، رغم أن الآخر لا يكون في الغالب ظالماً أو معتدياً، بل إن أكثر من عاش عندهم وفي كنفهم اليهودُ كانوا حكاماً عادلين، ولكن سلوكيات اليهود وتصرفاتهم، وخيانتهم ونكثهم للعهود، وتآمرهم وانقلابهم على الحاكم، هو الذي كان يدفع الآخرين للانتقام منهم، والتحرز من مصائبهم ومكائدهم، حيث كانوا يبادرون بالغدر والخيانة، ويستبقون الآخرين بالإساءة والإهانة.
كما أن «تاريخ إسرائيل» الطويل المشحون بالحروب والنزاعات مع دول الجوار والمحيط، والمواجهات مع قوى المقاومة الفلسطينية والعربية، وتعرضها لهجمات المقاومة الانتقامية رداً على سياساتها العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، كان له دور كبير في تشكيل «العقيدة الأمنية الإسرائيلية»، حيث وضعت «إسرائيل» منذ تأسيسها مسألة الأمن في قمة أولوياتها، وبلورت إستراتيجية متكاملة لمفهوم أمنها وسبل تحقيقه، ووظفت إمكانيات مالية واقتصادية وتعليمية وثقافية كبيرة لخدمة إستراتيجيتها الأمنية، كما عمل سياسيوها جميعاً وفق محددات أمنية، وضوابط احترازية تتطلع نحو مزيدٍ من الأمن المرتبط مصيرياً بوجود كيانهم.
أدركت جميع «الحكومات الإسرائيلية» حجم الصعوبات التي تواجه الإسرائيليين في تأمين بيئة مناسبة تحفظ أمنهم ومستقبل وجود دولتهم، في ظل وجودها في محيط عربي معادٍ، يرفض الاعتراف بها، ويصر على شطبها وإزالتها واستعادة الأرض العربية الفلسطينية المحتلة منها، وفي ظل نزعتها العدوانية، وحروبها الاستباقية، واعتداءاتها المتكررة، مما دفعها إلى رفع درجة الأمن، والتعامل مع الآخرين وفق إحساس أمني عالٍ، الذي اتسم في كل المراحل بأمن الخوف، وقلق السقوط والضياع، إذ إن الظالم المعتدي واللص السارق يعرف جريمته، ويدرك أنه متابعٌ ومطارد، وأن عليه أن يحمي جريمته، ويهرب من العقوبة والجزاء.
لم تولِ «سلطات الاحتلال الإسرائيلية»، في تطبيقها لنظرياتها الأمنية، اهتماماً بحقوق الإنسان، وما إذا كانت الإجراءات الأمنية التي تتبعها تضر بحقوق المواطنين المدنيين الذين يخضعون لحكمها باعتبار أنها دولة الاحتلال، وأنها تنتهك كرامتهم، وتصادر حقوقهم، بل كانت على العكس من ذلك، حيث تعمدت الاعتداء على كرامة وحقوق المواطنين الفلسطينيين والعرب، فقتلت واعتقلت وشردت وطردت الآلاف من الفلسطينيين، ولم تردع اتفاقياتُ السلام التي وقعتها مع بعض الدول العربية «الحكوماتِ الإسرائيلية» عن المبالغة في الإساءة إلى المواطنين العرب بحجة ضمان أمنها، والحفاظ على استقرارها. فالأمن بالنسبة إلى إسرائيل هو أساس الوجود، وعامل الاستقرار، وأحد أهم أسباب القوة والتفوق، وبدونه تفقد «إسرائيل» قدرتها على الوجود والحفاظ على ذاتها، وأمن مواطنيها واستقرارهم، ولهذا فإن ميزانية الأمن تضاهي ميزانية الدفاع، وصلاحيات وامتيازات العاملين في المؤسسات الأمنية عالية جداً، لتمكنهم من القيام بأعمالهم وفق حاجة إسرائيل، ولحمايتهم من أي تبعات أو ملاحقات مستقبلية.
استقر في «العقل الإسرائيلي» أن الوسيلة الأفضل والأكثر ضمانة لهذا الكيان لتحقيق أمنه واستقراره هي قتل الآخر، أو استرقاقه بنزع حريته، وإهدار كرامته، وحرمانه من كثيرٍ من حقوقه، ليغدو عبداً ذليلاً تابعاً لهم، منفذاً لسياستهم. ولما كان القتل وسيلةً صعبة، وقد أصبح لها آثارٌ ونتائج خطيرة، فقد لجأت إلى التعذيب وهدر الكرامة والإساءة لضمان عدم قيام الآخر بتهديد أمنها، أو التفكير في تعريض استقرارها للخطر، ومارست مع المعتقلين التحقيق والتعذيب الشديدين للوصول إلى المعلومات التي تريدها، أو للحصول على اعترافاتٍ محددة منهم، فكان التعذيب المفضي إلى الموت أحياناً هو الوسيلة الأنجع لدى «الإسرائيليين» لضمان أمنهم، أو للحصول على معلوماتٍ تقيهم الأخطار. ومضت «الحكومات الإسرائيلية» في تطبيق هذه الرؤية الأمنية، وساعدها على ذلك صمت المجتمع الدولي، وعجزه عن محاسبتها، أو منعها من ممارسة التعذيب ضد السكان المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم.
تبقى المفاهيم «الأمنية الإسرائيلية» على حالها لم ولن تتغير، بل تتطور وتتساوق مع المتغيرات الجديدة الطارئة على كل المستويات السياسية الدولية والمحلية، وهي مفاهيم تنسجم مع المفهوم الأمني العام الذي ترى أنه يحفظ وجودها، ويحقق لها التفوق والتميز، ويحول دون استهدافها من دول الجوار، ولايزال سعيها للحصول على المعلومات من الأسرى والمعتقلين قائماً لا يتوقف، إذ إن وحدات التحقيق المختلفة وفرق جمع المعلومات لاتزال تعتبر أن المعتقلين هم القطاع الأكبر للحصول على المعلومات، وترى أنها معلومات جديدة وحساسة، وأنها تؤثر على أمنها تأثيراً مباشراً، حيث تصنف «المؤسسات الأمنية الإسرائيلية» الأخطار التي تتعرض لها إلى أخطار استراتيجية وجودية تهدد أصل وجودها واستمرارها، وتهديدات اعتراضية تسببها قوى المقاومة والفصائل المسلحة، وهي التي ينصب عليها عمل المؤسسات الأمنية اليومي، وعليها تقوم مفاهيم درء الأخطار الطارئة والتصدي لها من خلال بناء منظومة معلوماتية أمنية سريعة وفاعلة، تحسن الحصول على المعلومات بسرعة، وتتقن توظيفها وحسن استخدامها في التعامل مع الخصوم، خصوصاً بعد نجاح المقاومة الداخلية في ضرب بعض أسس وركائز «النظرية الأمنية الإسرائيلية»، ونجاحها أيضاً في خطف «جنود إسرائيليين» والاحتفاظ بهم لفتراتٍ طويلة، وكذلك في اختراق نظمهم المعلوماتية والاستخبارية، وتمكّن أفرادها من التنصّت على مكالمات واتصالات الجنود والضباط و«القادة الإسرائيليين»، وتهديد سرية عملياتهم ومهماتهم.