أنت هنا

قراءة كتاب نساء مؤمنات

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نساء مؤمنات

نساء مؤمنات

كتاب "نساء مؤمنات"، للإمام يوسف القرضاوي، يقول في مقدمته: كتبت عن الإيمان والحياة ، وعن قضايا الإيمان الكبرى ، مثل قضية وجود الله جل جلاله ، وقضية التوحيد أساس الإيمان ولبه في الإسلام ، وقضية الإيمان بالقدر وغيرها .

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 5

خديجة المؤمنة

ثلاث نسوة بارزات في حياة الرسل الثلاثة أصحاب الديانات الأخيرة الكبرى : آسية امرأة فرعون في حياة موسى ، ومريم ابنة عمران في حياة عيسى ، وخديجة في حياة محمد عليه السلام ، كل واحدة منهن كفلت نبياًّ مرسلاً قبل بعثته ، وأحسنت الصُحبة في كفالته ، وصدَّقت به بعد رسالته ، لهذا جمع الرسول بين هؤلاء الكوامل في عقد واحد فقال : كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنته عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد.
وإذا كان بعض الحكماء يقول :=إن وراء الرجل العظيم امرأة تشد أزره . أماًّ كانت أو زوجاً فقد كانت خديجة المرأة التي وراء محمد عليه الصلاة والسلام .
أعانته في الجاهلية على حياته الطاهرة النقية البعيدة عن الأوثان والخمر والميسر واللَّغو والشهوات ، وكانت له ظهيراً في حياة التجرد والتأمل والبُعد عن صخب الناس وضوضاء الحياة .
كانت تُهيئ له الزاد كل عام ليقضي شهر رمضان في غار حراء ، ولو كان الأمر لعاطفتها المجردة ما رضيت ـ كامرأة ـ أن يغيب عنها ليلة واحدة ، فكيف باللَّيالي ذوات العدد ؟
ولكنها تحس أن زوجها غير الرجال ، وأن له شأناً أي شأن ، فلتكن عونه على مُثله الرفيعة ، وقيمه العليا ، وقد كانت تصحبه أو تزوره أحياناً في هذا الغار وتبقى معه أياماً وليالى تؤنسه وترعاه ، ومن طواعيتها له قبل البعثة ومسارعتها في هواه أنها رأت ميله إلى زيد بن حارثة ـ بعد أن صار في ملكها فوهبته له ، فكانت هي السبب فيما امتاز به زيد من السبق إلى الإسلام .
هذه خديجة في الجاهلية ، وأما بعد الرسالة ، فاستمع إلى عائشة تروي موقفها من الرسول حينما تلقى أول شحنة من وحي السماء في غار حراء ، وغطَّه جبريل حتى بلغ منه الجهد ، فعاد إلى خديجة ترجف بوادره يقول : زملوني ، زملوني ، لقد خشيتُ على نفسي . . . .
ولم تكن خديجة ممن يطير لبها فزعاً ، ولم يكن هذا الطارئ العجيب الغريب ليذهلها عن سداد الرأي ، ومنطق الحكمة ، لقد عرفت بنور بصيرتها وسلامة نظرتها سنة الله في معاملة عباده فقالت لزوجها في ثقة ويقين : كـلا والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكَل ، وتكسب المعدوم ، وتصدق الحديث ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الدهر .
وفي رواية قالت له : أبشر واثبت ياابن عم ، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة .
ولم تكتف بالقول ، بل صحبته إلـى ابـن عمهـا ورقـة ابن نوفل ـ وقد كان امرءاً تنصَّر في الجاهلية ، وعرف العبرانية ، وكتب بها من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ـ فقالت له خديجة : أى ابن عم ، اسمع من ابن أخيك . فـقال له ورقة : ياابن أخى ما ترى ؟ فأخبره رسول الله خبر ما رأى .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى .
وهكذا كانت خديجة ملاك الرحمة ، والمرفأ الأمين ، والملاذ المكين لمحمد عليه السلام .
كانت أنسه إذا استوحش ، وكنزه إذا احتاج ، وأمله إذا استيأس ، وطمأنينته إذا اضطربت من حوله الحياة .
قال ابن إسحق : كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله ، وصدَّق بما جاء به ، فخـفـف الله بـذلـك عـن نبيه ، فكان لا يسمع شيئاً يكرهه ، من الرد عليه ، والتكذيب له ، فيحزنه ذلك ، إلا فرَّج الله عنه بها إذا رجع إليها ، تُثبِّته وتخفِّف عنه ، وتهوِّن عليه أمر الناس .
شاطرته متاعب الدعوة ، وآلام الرسالة راضية مغتبطة ، دخل الشعب فدخلت معه ، وذاقت مرارة الحرمان وعضة الجوع ، وهي ذات المال الوفير وربيبة الرفاهية والنعيم ، فلا عجب أن يحمل إليها أمين الوحي السلام من فوق سبع سموات !
روى البخاري عن أبي هريرة قال : أتى جبريل إلى رسول الله * فقال : يا رسول الله ، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه طعام ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها . . ومني ، وبشـرهـا بـبـيـت فـي الجنـة مـن قصـب ، لا صخب فيه ولا نصب(1).
قال السهيلي : إنما كان البيت بهذا الوصف ، لأنها لم ترفع صوتها على النبي * ولم تتعبه يوماً من الدهر ، ولم تصخب عليه مرة ولا آذته أبداً .

الصفحات