رواية (مسافر بلا حلم)؛ صعدا الدرج الحجري الدائري بصمتٍ إلى غرفتهما. أمسك نك يدها لكنها ظلت تتقدمه بخطوةٍ أو اثنتين. شعرت أن لمسة يده منحتها ارتياحاً كبيراً، وهي تحتاج إلى الراحة في هذا الوقت. شعرت أيضاً أنها أقدمت على أفظع شيء في حياتها.
أنت هنا
قراءة كتاب مسافر بلا حلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
هذه هي اللحظة التي ينتظرها، اللحظة التي تدرّب على الأداء فيها مرات لا تُحصى. لم يشعر في أحلام يقظته كلها بهذا التوتر قط. استدارت أديل لتنظر إليه محاولة ألاّ تجفل. هذا ما كان نك خائفاً منه، فقد تمنّى أن تكون في مزاج ملائم أكثر للتحدّث بعد مرور هذا الوقت. من الواضح أنها ليست كذلك، فمرور الوقت لم يساهم في التئام جراحها.
إنّ الغوص في صلب الموضوع مباشرة وإخبارها عن سبب مجيئه لن يجدي نفعاً، عليه أن يمهّد للحديث المرتقب. ذابت كلمات الالتماس الخالص على شفتي نك واستبدلها بأوسع ابتسامة استطاع أن يرسمها على وجهه: "يا لها من طريقة جميلة تستقبلين بها زوجك!"
ضاقت عينا أديل ولم تقل شيءاُ. أخذ نك نفساً عميقاً. عليه فعل شيء ما ليوقف مهاجمتها له. بطريقة أو بأخرى، عليه أن يبقى في المكان الذي تقطنه حتى يتمكّن من جعلها تستمع إليه. استطاع أن يهمهم كلمات أقل حدّة فقال: "ما رأيك بكوب شاي؟"
استمرت أديل في التحديق به وبؤبؤا عينيها يتقلصان ليصبحا ثقبين صغيرين. حسناً! أهذا أفضل ما تمكن من التلفظ به؟ يبدو أن رأسه ما زال مشوشاً بعد رحلة بالطائرة بدت كأنها أسبوع. كوب من الشاي قد يعطيه خمس عشرة دقيقة على الأقل ليتفاهم مع أديل. أضاف: "كانت رحلتي طويلة حقاً".
بقيت أديل ساكنة وباردة كحجر الغرانيت على منضدة المطبخ، حتى اعتقد نك أنها تجمدت وأنها لن تتحرك البتّة. بعدئذ هزّت رأسها، وسارت لتتناول الإبريق. راقبها بدقة متناهية؛ حين تكون أديل في هذا المزاج، لا يستبعد أن ترمي الإبريق عليه. ملأت الإبريق بالماء وهي لا تزال تدير ظهرها نحوه، فيما كرّرت سؤالها السابق: "ماذا تريد نك؟"
انتظر نك حتى استدارت لتواجهه: "علينا أن نتكلّم".
لا شيء مضحك في هذه العبارة. يبدو أن جهوده الجبارة كي يتجاهل إطلاق المزاح كالمعتاد أثناء التوتر تلقى نجاحاً. هزّت أديل رأسها، وقالت : "لا! كان يجب أن نتحدّث منذ أشهر، أمّا الآن فقد فات الأوان".
- لدي أمر هام أريد أن أقوله لك.
- هـاه!
أجفل نك، وسألها: "ماذا تعنين بهذا؟"
- أنت لا تعني حقاً أموراً مهمة أو مسؤولة أو موثوق بها، أو أي شيء يتطلب الجدية. أليس كذلك نك؟
ها قد بدأت أديل تهاجمه. انهارت كل نواياه الحسنة فالتجأ إلى نوع الدفاع الوحيد الذي ينجح به. التوت زاويتا فمه بابتسامة، وأجاب: "هذا جزء من جاذبيتي".
_ لهذا فشل زواجنا.
اختفت الابتسامة عن وجهه تماماً. من المؤكد أن الوضع لا يسير حسب المخطط. شعر نك أنه متعب جداً، فهو بالكاد يستطيع أن يفكر بطريقة سوية. حاول القيام بالحركة الوحيدة المتبقية لديه والتي تضمن الحصول على ردّ فعل؛ إنّ الأوقات الحرجة تدعو إلى اتخاذ تدابير خاصة. حان الوقت لإطلاق سحر الغمازتين. وسّع نك ابتسامته قليلاً وراقب عيني أديل عن كثب ليرى ما إذا كانت مشاعرها ستلين. لم تستطع أديل مقاومة غمازتيه.
_ توقف عن هذا، نك!
البراءة التي ظهرت من خلال هزّه لكتفيه تستحق فعلاً جائزة الأوسكار.
_ أعرف ما تفعله، ولن ينجح الأمر.
إنها البداية! من الواضح أن أديل أصبحت أكثر تحصناً وقوة أثناء بعاده، لكن لا بُدّ من وجود نقاط ضعف في مكان ما، والمسألة تكمن في تحديدها. هذا ما جذبه نحوها في البدء؛ هذا الغطاء الخارجي البارد جداً الذي يخفي لبّاً حارّاً جداً: نار وثلج. هذا ما كانت عليه أديل. مشى نك نحوها فابتعدت عنه، وقالت : "أقلت إنك تريد التحدّث؟ حسناً! أنا مشغولة في الوقت الراهن".
_ أستطيع أن أرى ذلك.