رواية (مسافر بلا حلم)؛ صعدا الدرج الحجري الدائري بصمتٍ إلى غرفتهما. أمسك نك يدها لكنها ظلت تتقدمه بخطوةٍ أو اثنتين. شعرت أن لمسة يده منحتها ارتياحاً كبيراً، وهي تحتاج إلى الراحة في هذا الوقت. شعرت أيضاً أنها أقدمت على أفظع شيء في حياتها.
أنت هنا
قراءة كتاب مسافر بلا حلم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- تحت جنح الظلام
أحسّ نك بيد تلمس وجهه فاستيقظ على الفور، وما لبث أن أدرك أنّ اليد يده. لقد وضع مرفقه خلف رأسه فيما كان نائماً، فأصاب الخدر يده وأصبحت ثقيلة.
كانت الأضواء لا تزال منارة في المطبخ، لكن الظلام دامس في الخارج، ولم تكن لديه فكرة عن الوقت. هزّ يده الخدرة حتى شعر بالدم يخزه ثم نظر إلى ساعة يده. إنها السادسة صباحاً!
هزّ رأسه ذات اليمين وذات اليسار، ونظر ثانية. لا عجب أنه يشعر بالتيبس، فقد أمضى الساعات الاثنتي عشرة الأخيرة على أريكة ذات مقعدين فقط، والله يعلم ما هي الوضعيات الغريبة التي اتخذها جسمه أثناء النوم. سوف تستيقظ أديل في غضون ساعة تقريباً. لطالما كانت تستيقظ باكراً، فطبيعتها النشيطة تختلف تماماً عن طبيعته المتكاسلة صباحاً.
شعر نك أنه موهن ومنهار، ليس بسبب المكان الغريب الذي نام فيه فحسب، بل أيضاً بسبب رحلته الطويلة من لوس أنجلس في اليوم السابق. لا جدوى من إجراء حديث لطيف مع أديل إذا كان مظهره فظاً ورائحته بشعة. من الأفضل أن يستحم ويتأنّق قبل أن يحاول التحدّث إليها. جرّ حقيبته إلى الأعلى على الدرج، ودخل غرفة النوم الإضافية. عليه أن يتصرف بطريقة ذكية إذا أراد أن يستجلب أديل إلى جهته، فهو ليس سخيفاً ليعتقد أن بامكانه أن يعود فجأة إلى حياته القديمة كأن شيئاً لم يكن. أمِل أن يتمكنا من استرجاع حياتهما معاً، فقد كانا سعيدين جداً. لحظة واحدة من الغضب المتهوّر كلفته فشل زواجه. ليس من عادة نك أن يفقد أعصابه، إلا أن أديل حرّضته وحرّضته حتى انفجر غاضباً. تبين له بعد ذلك أن طريقته الاعتيادية في تجاهل كل ما هو سلبي وإدلائه بالأجوبة البارعة حتى ينجلي الضباب هما الخيار الأكثر أماناً. لو أن هذا ما فعله في شهر أيار الماضي، لربما تغيّرت الأوضاع. لما كان عليه أن يعيش مع هذا الألم العميق الذي لا يزول في داخله. بغض النظر عن عدد المزحات العملية التي أطلقها أمام زملائه ليشتت تفكيره عما يشعر به من سوء.
بعد نصف ساعة، كان نك قد حلق ذقنه وارتدى ثيابه وبدأ يحضّر القهوة في المطبخ. تتمثل خطته في أن يصطاد أديل بتقديم قهوتها الصباحية لها. يعرف نك كل الحيل الصغيرة التي تؤثر في زوجته، وقد استخدمها عدّة مرّات فأصبحت تلك عادة لديه.
بالطبع، عليه أن يكون أكثر حذراً هذه المرة، فالأمر أكثر جدّية من المرات السابقة. تذكر ذلك اليوم حين استعمل أفضل كسرولة لديها في المطبخ ليمزج عصارات غريبة من النباتات فالتصقت بقعر الكسرولة. لم تعجب أديل بلون الطعام الأخضر لاسيما أن آثاره لم تزل مهما حفّت بقوة. تعلم نك أخيراً أن يتجنّب أدوات المطبخ لديها، فهي دقيقة جداً في ما يتعلق بذلك المكان. سيكون حساّساً هذه المرة فيتكلم بطريقة لائقة معها. هذه هي الخطة الأولى، ثم عليه أن يجعلها توافق على الخطة الثانية التي يأمل أن تقوده إلى تحقيق الخطة الثالثة. أما الخطة الثالثة فهي الأكبر: أن يجعلها تدرك أنهما خلقا لبعضهما. لا يمكنه أن يفشل في الخطة الأخيرة، لذا عليه أن يفعل ما بوسعه لينجح. لا بأس إذا مهّد للأمر قليلاً... مع الكافيين والابتسامات والغمازتين.
شغّل نك آلة صنع القهوة وجلس إلى الطاولة مواجهاً للباب. قد تظهر أديل في أي لحظة الآن. إلا أن أديل لم تظهر، و الصبر ليس إحدى ميزات نك. ربما ترغب زوجته في تناول الفطور في السرير! أم أن افتراضه ذلك يبدو مبالغة في التملّق؟ قبل مغادرة نك، لم تطق أديل البقاء مطولاً في السرير صباحاً حتى الآحاد. إلا أنها كانت تفعل ذلك أحياناً إن كان نك موجوداً وأقنعها بأن البقاء في السرير يستحق ذلك. أسند ظهره إلى الكرسي الخشبي وهو يشعر بالاحباط. لقد اشتاق إلى أديل... حقاً اشتاق إليها. حين عاد إلى كاليفورنيا بعد أول رحلة له إلى المنزل، فاجأه أن غليان الغضب في داخله استمر لوقت طويل. لم يستطع أن يتخلص منه كالمعتاد. لكن، كان هذا مفهوما، أليس كذلك؟
قد يشعر أي إنسان بالغضب إذا ما أنهت زوجته علاقتها معه بعد أول شجار بسيط بينهما. كان بإمكانهما التوصل إلى حل معقول بشأن وظيفتهما وعقده الممتد على مدى ستة أشهر في هوليود. إلا أن أديل راحت تصرخ في وجهه مدافعة عن أهمية وظيفتها وحياتها وأصدقائها. بدا الأمر كصدمة فظيعة لنك، إذ أدرك أنه يأتي في أسفل القائمة... هذا إذا كان موجوداً عليها أصلاً. كانت وظيفته مهمة بالنسبة إليه أيضاً، لكن أديل لم تأخذه على محمل الجد. يومها تخلف أحدهم عن تطبيق العقد فسنحت له الفرصة في الدقيقة الأخيرة للعمل مع المخرج المعروف بإبداعه تيم بروكمان، وهو المخرج الأفضل في هوليود. بدت تلك فرصة لا يستطيع رفضها، وآلمه كثيراً أن أديل لم تثق به كفاية لتؤيد قراره.
أصبح الانزعاج يقض مضجعه. تخلص منه وتفحص الساعة. إنها الثامنة والنصف. بالطبع، أديل لا تبقى نائمة حتى هذا الوقت! من الأفضل أن يذهب ويتأكد أنها بخير. هرع نك صعوداً على الدرج، لكنه خفف سرعته وهو يقترب من غرفة نومهما. ابتسم حين تذكر الشخير الهادىء الذي يصدر عنها أحياناً. بدا له هذا الأمر لطيفاً جداً، ومن الغرابة أنه شعر بالرضى لمعرفته أن أديل المثالية تعاني من خطب ما. إلا أنه لم يسمع أي شخير في تلك اللحظة. في الواقع، لم يسمع أي صوتٍ البتة. دفع الباب ليفتحه وطرف بعينيه فيما رأى الغرفة مشعة على غير عادتها. بدت الستائر مفتوحة وشمس شباط الباردة تملأ الغرفة الفارغة بنورها. كانت الأغطية موضوعة بأناقة في موضعها، والوسادات مصفوفة بانتظام كالعادة على رأس السرير. شعر بالاضطراب في معدته، تماماً كما حصل حين دخل إلى الغرفة قبل سنة تقريباً ورأى خزانة الثياب فارغة، والأبواب مشرعة وتعاليق الثياب عارية كأماليد الخريف، ثم وجد الملاحظة المهذبة التي تقول فيها إنها سوف تبقى عند منى وهي لا تريد رؤيته. يومها عاد إلى أميركا مباشرة تاركاً زوجته التي تخلصت منه بسهولة. على الأقل، نجح في إقناع منى أن تجعلها تنتقل مجدداً إلى المنزل بعد رحيله.