أنت هنا

قراءة كتاب الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

كتاب " الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

استهلال

يضم هذا الكتاب بين جنبيه عدداً من المقالات الأسبوعية، والتي دأبت جريدة الحياة (الطبعة السعودية) على نشرها صبيحة كل يوم ثلاثاء، وعلى صدر صفحة الرأي طوال العام 2012. قد يتساءل القارىء، وهو محق في تساؤله: ما الحاجة إلى إعادة نشر مقالات يفترض أن صلاحيتها قد انتهت وفائدتها قد أدبرت بمجرد قرائتها لأول مرة؟ وجوابي على ذلك هو أن المقالات التي بين يديك لا تعنى بالمشكلات الآنية ولا بالهموم اليومية، ولكنها تنصرف إلى قضايا العقل وهموم الفكر، وتحديداً الديني منه، وتلك مسائل، كانت، ولاتزال، وستظل، قابلة للجدال وصالحة للنقاش، مهما تلاحقت الأيام وتوالت الأزمان.

بداية، وقبل أي شيء، لا بد لنا من التفريق بين الدين والفكر الديني. إن الدين بشقه العقائدي والتعبدي موطنه القلب لا العقل، وهو لا يخضع للسؤال ولا للشك، ولا يقبل التغيير ولا التبديل. أما الفكر الديني فهو ما يصدر عن الفقهاء أو رجال الدين من تفسيرات أو تأويلات للنصوص الدينية، وبالتالي فهي اجتهادات بشرية لا تحظى بالقدسية، مما يجعلها قابلة للأخذ والرد والقبول والنقض. ولكن، هل يمكن للمرء في عالمنا الإسلامي حيث تضيق مساحة الحريات أن يتناول قضايا الفكر الديني تمحيصاً وتفحيصاً دون أن تلحقه دعاوى التجديف واتهامات التكفير من شيوخ الدين؟ طبعاً الإجابة هي لا. لماذا؟ لأنّ الفكر الديني أصبح لصيقاً بالدين، لدرجة أن نقد الفكر الديني صار تعدياً على الدين، والاعتراض على فتوى دينية صار تطاولاً على الدين، واستنكار سلوك رجل متدين صار انتهاكاً للدين! كل هذا يجري، ولانزال نردد كالببغاوات، بلا تفكير أو تدبير، بأن لا كهنوتية في الإسلام!

عموماً، هذا الكتاب الذي بين يديك، ينقسم إلى ستة أجزاء بحسب الموضوعات، لا بحسب تواريخ النشر، وذلك على النحو التالي:

القسم الأول: ويتناول جماعات الإسلام السياسي، سلوكاً وفكراً، محذراً من الانسياق وراء شعاراتها الدينية البراقة، والتي لا تتردد من التلويح بها، بقصد دغدغة الغرائز التحتية للجماهير وكسب تأييدها لتسهيل وصولها إلى السلطة. إن سلوك تلك الجماعات السياسية، المستترة بالدين، هو استمرار لما دأبت عليه الحركات السياسية في التاريخ الإسلامي من توظيف براغماتي لشعارات دينية جذابة تؤمن لها كسب الأتباع في معاركها مع عدوها، حتى إذا ما حققت أغراضها وتمكنت من السلطة، داست على شعاراتها وتناست وعودها.

القسم الثاني: يحرص رجل الدين على تغليف التاريخ بغلاف سميك من الأساطير، لدرجة تجعل الاقتراب منه بأدوات النقد ومشارط البحث أشبه بمغامرة محفوفة بالمخاطر. نحن ننظر إلى التاريخ كما لو أنه كتاب مقدس، وكما أن من يتحرك فوق مسرحه أنصاف آلهة وليسوا ببشر. ولكي نعيد للتاريخ بشريته، ونمحو عن وجهه ملامحه الأسطورية، يتوجب علينا إعادة قراءته متخففين من الأحكام المسبقة والرغبات المبطنة. إننا عندما نضع التاريخ ضمن سياقه الإنساني متجرداً من ثوب الأسطورة، نكون بهذا قد انتزعنا من رجل الدين ورقة رابحة طالما لعب بها للتبشير بالعودة إلى ماضٍ أبيض لا شية فيه.

القسم الثالث: لم يتحرر الفكر الديني بعد من إسار فقه القرون الوسطى، فيما يتعلق بالنظرة إلى الآخر، أو المختلف دينياً أو مذهبياً. ومافتئ فقهاء اليوم يستعيرون المفاهيم القروسطية ذاتها، والتي تختزل العالم إلى داري حرب وسلام، وتقسم البشر إلى مسلمين وغير مسلمين. إن هذا الشعور المفرط بالاصطفائية، والإيمان المتوهم بامتلاك الحقيقة المطلقة يعتبر أحد العوامل التي يمكن التعويل عليها في تفسير السلوك العنفي الذي تنتهجه الجماعات الجهادية. لقد آن الأوان لهذا الخطاب الديني أن يتحرر من تبعيته لفقه القرون الوسطى، وأن يعاد تأسيسه وفق قواعد جديدة تتكيف مع التغيرات الدولية والقانونية المعاصرة، وتستلهم من النص القرآني وسيرة النبي الكريم مبادىء التسامح والتعايش.

القسم الرابع: يتصف «الإسلام الشعبي» للعامة من الناس بالنزعة إلى التحريم، والميل إلى التسطيح، والانقياد وراء الخرافة، والانسياق وراء سطوة رجل الدين. بدءاً مما يعرف بـ «زمن الصحوة» أصبحت العامة أكثر اتكالاً على رجل الدين في كل كبيرة وصغيرة وفي كل منشط من مناشط الحياة، ابتداءً من حكم التبرع بالأعضاء وليس انتهاءً بحكم الاستظلال بشجرة زرعها بنك تجاري «ربوي!». لقد أدرك رجل الدين ما بين يديه من قوة جماهرية عمياء، فصار لا يتورع من التهديد بها لتخويف كل من يغرد خارج السرب. وإذا كان رجل الدين قادراً على تحريك أتباعه بكلمة منه، إلا أنه ليس بقادر أن يظهر أمامهم بمظهر اللين والمتسامح، وإلا خسر جاذبيته وفقد جماهيرته!

القسم الخامس: لايزال الفقه اليوم كما كان عليه في القرون الخالية فقهاً فحولياً، لا مكان للمرأة فيه ولا اعتبار. تبقى المرأة في عيون رجال الدين باب الفتنة، ومصدر الغواية، وحبائل الشيطان. وعلى الرغم من وصول بعض النساء إلى رئاسة الوزارة في عدد من دول الإسلام والغرب، إلا أن الفقهاء لايزالون يرددون «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة». وعلى الرغم من نجاح النساء في ميادين التعليم والطبابة والتجارة والأدب والفن، إلا أن الفقهاء لايزالون يقولون «ناقصات عقل ودين». لقد وقف الفقهاء، قديماً وحديثاً، حجر عثرة في طريق تعليم وعمل المرأة بدعاوى تحريم الاختلاط ومخافة الفتنة. ولولا لطف الله وتدخل السلطة السياسية لبقيت المرأة ما بقي من عمرها حبيسة الجدران الأربعة.

القسم السادس: يقال إن الدين يسر وليس عسراً، ولكن جمهور الفقهاء قلبوها رأساً على عقب، فصار الدين عسراً وليس يسراً. لقد أثقل الفقهاء دين الله بأحمال فقهية شديدة التعقيد، وأرهقوا المسلم بأحكام شديدة العناية والتفصيل. لا عجب بعدئذ إن رأيت المسلم يقف كالتائه لا يقدر أن يمض خطوة دون أن يسترشد بفقيه لينير له الطريق ويهديه إلى سواء السبيل. لم يترك الفقهاء لنا أمراً في الدنيا أو في الآخرة إلا وخاضوا فيه، من الاستجمار بالحجارة والمسح على الخفين إلى عمليات التلقيح الصناعي واستكشاف المريخ.

الصفحات