أنت هنا

قراءة كتاب الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

كتاب " الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

سياحة المقابر!

ورد في موقع «العربية الإلكتروني» وبتاريخ 29 يوليو، 2012، أن رجلي أعمال ينتميان لجماعة الإخوان المصرية قد أنشأ أول شركة سياحة – ربما الأولى في العالم– تعمل وفق ضوابط الشريعة الإسلامية! وبحسب الخبر، فإن سياسة الشركة لا تقوم على تنظيم رحلات سياحية إلى الأماكن والمزارات الدينية في مصر وخارجها، وإنما على تقديم نوع متميز وفريد من النشاطات السياحية لزبائنها المنتخبين بعناية فائقة. بداية، لا تتيح الشركة خدماتها الحلال الزلال إلا للملتحين من الرجال وللمنقبات من النساء! يُذكر أن الشركة تفضل المنقبات على المحجبات، وكأن الحجاب لم يعد يكفيهم. أما السافرات الكاسيات العاريات فلا مكان لهن بالطبع بين الطيبين والطيبات من الإخوان والإخوانيات! وبما أن الاختلاط بين الرجال والقوارير من النساء هو انحراف دونه سائر الموبقات، فقد قضت أحكام الشركة بألا يختلط الذكور بالأناث، مخافة الفتنة، والفتنة أشد من القتل. فإذا ما أرادت النسوة الذهاب إلى مكان ما لترويح القلوب وتفريج الكروب، وجب عليهن التريث حتى يفرغ بعولتهن من اللهو البريء فيمضين إليه وهن متنقبات متخفرات. وبما أن الشركة تخشى أن تقع عيون زبائنها على ما يجرح المشاعر أو أن تصل إلى آذانهم أصوات المعازف، فقد قامت باستئجار فندق أو قرية سياحية بالكامل حتى تضمن «طهارة» المكان من الفاسدين والفاسدات!

تذكرت، وأنا أقرأ عن ولادة تلك الشركة في زمن الإخوان، ما دوّنه المفكر المغدور فرج فودة في حوار له مع أحد عناصر الجماعات الدينية في مصر فترة التسعينيات الميلادية حول بدائل السياحة، خصوصاً بعد أن تكاثرت اعتداءات الجماعات الدينية على الأفواج السياحية. يقول فودة، نقلاً عن عضو الجماعة الدينية: «ما الذي يدفع الإنسان إلى السياحة؟ لا شك أنه اكتئاب النفوس وضيق الصدور، وإذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور، وما من مؤمن إن ضاق صدره أو اكتأبت نفسه، ألا يذهب لزيارة المقابر فهناك العبرة والموعظة، وهناك السياحة الإيمانية، وسوف يعود بإذن الله منشرح الصدر، مجبور الخاطر، مسرور النفس، مقبلاً على الحياة كل الإقبال...». أتمنى أن يفطن القائمون على الشركة إلى فضل زيارة القبور حتى يعود السائحون منها خفافاً بعد أن كانوا ثقالاً، مجبورين بعد أن كانوا مكسورين، مستبشرين بعد أن كانوا مكتئبين!

يقول مالكا الشركة إن الغرض من تأسيسها هو وضع شعار الجماعة الأثير «الإسلام هو الحل» موضع التطبيق (كذا!). ليس غريباً أن نسمع بمثل تلك المشروعات التلفيقية والمغلفة بشعارات الدين، والدين منها براء. ألم نسمع بسوبر أكاديمي إسلامي.. وسوبر ستار إسلامي.. وباربي إسلامية.. وكوكا كولا إسلامية.. وإنترنت إسلامية.. وأفلام كرتون إسلامية.. وبيرة إسلامية.. وبوصلة إسلامية.. وسيارة إسلامية.. و.. و؟ إن مشروعات الأسلمة كافة التي طالت كل كبيرة وصغيرة منذ ما يعرف زوراً بالصحوة الدينية لم تنجح في فرض نفسها، ومن تقديم بدائل مقنعة، ومن منافسة المنتجات التقليدية. إن طلاء منتجات الغرب بدهان إسلامي لا يجعل منها منتجاً إسلامياً صرفاً. لا يفعل صُنّاع الوهم الإسلامي أكثر من تزيين المنتج «العلماني» بألوان وظلال ونقوش دينية حتى يقال عنها إسلامية! بصراحة، لا أرى في الأسلمة إلا محاولات بائسة ويائسة للبحث عن الدور التاريخي المفقود وردم الهوة الحضارية بيننا وبين الغرب. بزعمي أن جل مشروعات الأسلمة لا تستهدف في حقيقتها إلا استنزاف جيوب البسطاء من خلال دغدغة المشاعر الدينية. حدثني أحد الأصدقاء أنه سأل موظفاً يعمل بأحد فروع مصرف بدولة خليجية عن الفارق الحقيقي بين الخدمات التقليدية والإسلامية التي يقدمها البنك لعملائه، فقال له متبسماً: الفارق الوحيد بينهما هي مسافة الأمتار الثلاثة التي أقطعها بين شباك المنتجات التقليدية وشباك المنتجات الإسلامية! بعبارة أخرى، ما من فرق بين هذا وذاك إلا في الوصوف والكلمات!

الصفحات