أنت هنا

قراءة كتاب الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد

كتاب " الفقهاء والدهماء والنساء - في نقد التشدد " ، تأليف خالد السعيد ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

عمر

بالرغم من إرجافات المرجفين، وتحريمات المحرمين، فقد حظي مسلسل «عمر» بنسب مشاهدة فائقة طوال رمضان. وها قد أثبت المتشددون، المرة تلو المرة، أنهم أحسن وأرخص مروج دعائي لكل عمل فني وأدبي يعكر صفوهم وينغص منامهم. ولو أنهم صانوا ألسنتهم، وأطفأوا نيرانهم، لما سمع بالمسلسل القاصي قبل الداني.

مع انطلاقة شرارة «عمر»، كتب الأستاذ «يوسف أبا الخيل» في جريدة الرياض مقالاً بعنوان (مسلسل الفاروق: 21 يوليو، 2012) متسائلاً عما إذا كان العمل التاريخي سيبعث من الرقاد بعضاً من النماذج العمرية المضيئة، وخصوصاً فيما يتعلق بـ: التسامح الديني، الموائمة بين النصوص الدينية ومصالح العصر، والمساواة بين الناس. ظننت للوهلة الأولى أن كاتب العمل سيضرب صفحاً عن تلك الصفحات المكتوبة بماء الذهب، ولكنه خيّب ظنوني، ولله الحمد والمنة.

لقد أخرج لنا المسلسل من تحت أنقاض الأحقاد تلك الوثيقة المعروفة بـ«العهدة العمرية» لعلنا نرى بين سطورها وجه الإسلام المشرق الذي أطفأه المتعصبون. تقول الوثيقة التي كتبها الخليفة عمر لأهالي إيليا (القدس): «هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم ولأموالهم ولكنائسهم ولصلبانهم، سقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم...». ماذا سيقال اليوم لو خرج من بيننا رجل ليخط كتاباً كمثل كتاب عمر بلغته المتسامحة والمتعالية على الضغائن الدينية والسخائم العنصرية؟ أترك الإجابة لك...!

كما كشف لنا المسلسل عن ملامح شخصية إبداعية تمتلك القدرة على قراءة تضاريس الواقع، واستشراف آفاق المستقبل، من خلال التمرد على متاريس النص والاحتكام إلى الحيثيات العقلانية. لقد شاهدنا معاً كم كان عمر جريئاً وهو يعطل حد السرقة الإلهي في عام الرمادة بعد أن جف الضرع وهلك الزرع. وبالرغم من وجود آية قرآنية تنص على دفع الزكاة إلى ما يعرف بالمؤلفة قلوبهم، إلا أن عمر منع دفعها إليهم بعد أن اشتد عود الإسلام وقوي صلبه. وعمر كذلك هو من أوقف توزيع أرض السواد بالعراق على الفاتحين، رغم صراحة النص القرآني، توخياً للعدالة الاجتماعية ومتطلبات الأجيال اللاحقة. ومرة أخرى، ماذا سيقال لو خرج من ظهرانينا رجل أراد أن يفكر ويجتهد كما فكّر واجتهد عمر بالأمس؟ ألن يرمى بالكفر والخروج عن الدين؟!

أما فيما يتصل بالمساواة بين الناس، فقد كان عمر مضرب الأمثال في العدل والمساواة. فمن منا لم يهزه مشهد القبطي الذي اقتص له الخليفة من ابن والي مصر عمرو بن العاص الذي اعتلاه بالسياط ظلماً؟ كما أظهر لنا المسلسل مدى حرص عمر الشديد على ألا ينعزل ولاته، مهما عظم قدرهم وعلا شأنهم، عن الرعية بالسكنى في الدور العلية.

إضافة إلى ما سبق، فقد أحسن القائمون على العمل صنعاً بتجريدهم لشخصية عمر مما علق بها من عناصر أسطورية جراء تباعد الأزمان وانحسار البطولات. فمن أمثلة ما يروى عن عمر من خوارق أن المصريين قد هموا بالجلاء عن أراضيهم بعد أن أخلف النيل موعد فيضانه، فبعث الخليفة إلى واليه ابن العاص بكتاب يقول فيه: «من عبدالله أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر – أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الواحد القهار يجريك فنسأل الواحد القهار أن يجريك»، فألقى عمرو بالكتاب في جوف النيل. فلما كان من الغد، فاض النيل بمياهه، فأخصبت البلاد، وصلحت أحوال العباد!

ختاماً، مضى مسلسل عمر بعد أن نقش في ذاكرتنا صوراً معطرة بالحب والتبجيل والإعجاب لعمر. إني حقاً لأجد عمر متلفزاً أكثر جمالاً وإشراقاً مما هو عليه مسطراً في الكتب. ألا يقال إنّ الصورة أبلغ من الكلام؟ ولكن أكثر الناس لا يعقلون!

الصفحات