كتاب " تاريخ لبنان الطائفي " ، تأليف د. علي عبد فتوني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب تاريخ لبنان الطائفي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تاريخ لبنان الطائفي
« وبتحول العائلات إلى حكومات إقطاعية مستقرة بدأت تظهر بينها المنازعات القبلية : القيسية واليمنية ، مبتدئة من البقاع ثم منتقلة إلى مختلف المناطق اللبنانية : جبال الشوف ، وجبل عامل ، وجبل كسروان وبلاد جبيل وشمالي لبنان ...»[16] .
وقد تميزت هذه الحكومات الإقطاعية في المناطق اللبنانية عن بقية مناطق الإقطاع المملوكي بطابع طائفي لم يظهر واضحا ً إلا عندما حدث الاستقرار في القرن الخامس عشر ، ولكن سرعان ما امتص الصراع القيسي اليمني هذا الطابع الطائفي في أواخر القرن المذكور ليصبح إجمالا ً الطابع الغالب ، ويرسم الخط السياسي لتاريخ المناطق اللبنانية في العهد العثماني[17]. ولعبت الظروف الخارجية دوراً أساسياً في تثبيت الانغلاق السكاني في المناطق اللبنانية وتحددت مع هذه الظروف الإمكانيات الحقيقية للتوسع الطائفي باتجاه مناطق جديدة لم يكن لها فيها وجود فعلي في السابق[18].
كما أعطى التمركز السكاني الطائفي في ظل المماليك، هوية ثابتة في مناطق محددة للجماعات التي لم تصل إلى السلطة، بل كانت تدفع الضرائب لأصحاب السلطة المركزية التي كانت تتغير بصورة دائمة، في حين زاد النفوذ السياسي للجماعات المسيطرة من الخارج على بعض المناطق، كما زال معها وجودها الفعلي بعد فترات الوقوف ضد السلطة المركزية، بحيث تم استبدالها بتجمعات سكانية جديدة تابعة للسلطة المركزية. وهذا ما يفسر زوال الوجود الشيعي عن طرابلس وكسروان والبترون ومناطق جبيل.
وبذلك ارتسمت معالم الخريطة السكانية للطوائف اللبنانية بوضوح بعد الحملة المملوكية ضد كسروان. فقد انكفأ الشيعة باتجاه بعلبك-الهرمل وجبل عامل، وبدأوا تحت الضغط والاضطهاد يغادرون كسروان ويختفون تدريجاً من أكثر مدن الساحل، في حين انكفأ الدروز باتجاه الشوف والنصيرية باتجاه عكار. وكان الموارنة أكثر المستفيدين من هذا الوضع الجديد بسبب كثافتهم السكانية من جهة والفراغ الهائل الذي أحدثه نزوح الشيعة عن كسروان من جهة أخرى[19] .
هكذا باتت خريطة التمركز السكاني واضحة مع مجيء العثمانيين إلى لبنان، فالمعنيون في الشوف، والأرسلانيون في الشوفيات والشهابيون في وادي التيم، والبحتريون في بيروت، وآل بشارة في جبل عامل وعرفوا بآل بشارة الصغير، وآل حمادة في جبة المنيطرة، وآل حرفوش في البقاع الأوسط وآل عساف في كسروان وجبيل، وآل سيفا في عكار وطرابلس، مع تمركز سكاني نصراني كثيف في وادي قاديشا والكورة، وتدفق مستمر باتجاه جبيل والبترون وكسروان[20].