أنت هنا

قراءة كتاب من القلب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من القلب

من القلب

هذه مقالات كتبتها بمداد القلب وحاولت أن أضمنها كل مشاعر الصدق والحب والجمال، والألم والمعاناة أيضا.  وآمل أن يجد القارئ فيها متعة روحية وفائدة معنوية ويحس بما جاء فيها من صدق الكلمة، وحرارة الشعور، والله ولي الصادقين.  

 (المؤلفة)

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5
الرياضة الروحية
 
يقولون أن الروح كالجسد كلاهما بحاجة إلى رياضة، وكلاهما بحاجة إلى ما يزيل عنهما أتعاب الحياة وأوزارها. وإذا كانت الرياضة الجسمية معروفة لدى كثير من الناس ولها نوادٍ ومؤسسات وجمعيات وحتى جامعات للاهتمام بها وممارستها لكي يحافظوا على أجسامهم قوية معافاة، فإن الرياضة الروحية لا يعرفها إلا القليل من الناس ممن حُبي برهافة الحس وحرارة الوجدان، وجمال الروح وتذوق الجمال؛ ولهذا فقد تجدها في معظم الأحيان عند الأنبياء والمصلحين، والشعراء والفنانين، والأدباء والموسيقيين وغيرهم من الناس المتأملين الذين يدركون بفطرتهم الربانية أهمية الانسلاخ عن العالم المادي الملوث والتحليق في عالم روحاني جميل نقي صاف. مثل هؤلاء الناس تراهم يقضون ساعات طويلة معتكفين في بيوتهم أو في كهوفهم وصوامعهم، أو متجولين في البراري والوديان، أو متنزهين في الجبال والآكام، أو جالسين على ضفاف النهر والغدران، أو متمشين على شاطئ البحر والمحيطات، أو جالسين تحت الشجر في الغابات يتأملون ويتفكرون ويستوحون ويتعبدون، وينظمون ويكتبون، ويرسمون وينحتون، ويعزفون ويغنون، ويتذوقون الجمال ويبدعون الخ.. من الأعمال التي تجعل من أرواحهم أرواحا صافية نقية، هادئة مطمئنة، وكأنها غسلت بنور وريحان، وعطرت ببخور وزهر وزعفران.
 
إنها الرياضة الروحية التي تلقي عن كاهل الإنسان ما علق بها من سقام وأمراض، وتسقط عنه الهموم والمتاعب والأحزان، إنها الرياضة الروحية التي تفتح قلبه وبصيرته على كنه الحياة الروحية السامية وجمالها، الحياة التي تشع طهرا وبراءة، وحبا وخيرا وجمالا، وسلاما وأمنا وإيمانا. ولهذا فقد يمارس الفرد الرياضة الروحية في أثناء العزلة والتعبد، أو في السجود والتأمل، أو في القنوت والتضرع، أو عن طريق النظم والكتابة، أو الرسم والنحت والصياغة، أو العزف والغناء، أو التجول في البراري والجبال أو في محاكاة الطيور والأنجم والأزهار. إنه يجد روحه في مطلع الشمس ومغربها، وبزوغ النجوم وإدبارها، وتغريد الطيور وجمالها، واختلاف الزهور وألوانها، وكل ما من شأنه أن يخرجه من العالم المادي المسموم ويسمو بروحه إلى عالم الحب والأمن والسلام.
 
فالإنسان الذي يمارس هذه الرياضة يسقط عن نفسه أثقال المادة المتعبة المضنية ويتخلى عن بريقها وزخرفها ليخلد إلى الهدوء والصفاء والبساطة والنقاء، والعيش بطريقة خالية من العقد والتعقيدات.
 
ولأن الله سبحانه وتعالى عليم بالنفس البشرية وما يعتريها من هموم وأحزان وما تواجهه من مشاكل وتعقيدات وهي تسير في رحلة العمر ومشوار الحياة، فقد أرسل لها الأنبياء والمصلحين، والعلماء والمرشدين ليعلموها كيف تقوم بهذه الرياضة الروحية، وكيف تنعش نفسها وتجددها، وتغسلها من الشوائب والأدران وتطهرها من الذنوب والآثام في كل يوم وليلة وشهر وسنة. من هنا فقد نزلت الرسالات السماوية وفرضت العبادات، ووضعت الشعائر الدينية وأمرت بالطاعات، لتحث الإنسان على التأمل في الحياة والتدبر في كيفية الخلق والإبداع، ولتعرفه أن كل شيء مفطور بمقدار ومكتوب في سجل محفوظ فوق العرش قبل أن يخلق الله السموات والأرض، فتهدأ بهذا التفكير روحه وتطمئن نفسه ويعلم أنه الحق من ربه الذي خلقه وصوره، وقدر رزقه وعلمه، وإلى السبيل يسره، وكتب له في لوح الأقدار قسمته وقدره، ومسلكه ومستقبله، وسعادته وشقاءه لقوله تعالى: ويتفكّرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار [آل عمران: 191] ، وكلّ شيء عنده بمقدار [الرعد: 8]، وفي السماء رزقكم وما توعدون [الذاريات: 22] وبالتالي، فقد يجد الإنسان الرياضة الروحية بالتسبيح والتهليل والصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها من الطقوس والشعائر الدينية التي تسمو بروح الإنسان إلى أعلى درجات الإنسانية.
 
فإن كانت هذه هي الرياضة الروحية وهذه حسناتها، وهذه دروبها وهذه مسالكها، فلم لا نعين لنا ساعة في اليوم، ويوما في الشهر، وشهرا في السنة، نقضيه في رياضة روحية تجدد حياتنا وتنعش أرواحنا وتملأ صدورنا وقلوبنا حبا وإيمانا وأمنا وسلاما! فجميعنا بحاجة إلى رياضة روحية، وجميعنا يتلهف إلى الحياة الوادعة الهنية، وجميعنا يطمح إلى العيش بسلام وأمان وحب واستقرار، ومثل هذه الحياة لا تكون إلا بالرياضة الروحية التي لا تعادلها كنوز الأرض مالا وذهبا.
 
28 / 7/ 2004 م

الصفحات