قراءة كتاب عبق الريحان في علوم القرآن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عبق الريحان في علوم القرآن

عبق الريحان في علوم القرآن

كتاب " عبق الريحان في علوم القرآن " ، تأليف د. نوح الفقير ، والذي صدر عن دار المأمون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
3
Average: 3 (2 votes)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 3

أسماء القرآن الكريم وصفاته

نقل صاحب البرهان عن القاضي أبي المعالي عزيزي بن عبد الملك أنه قال: (إعلم أن الله تعالى سمى القرآن بخمسة وخمسين اسماً)(22)، ثم عد تلك الاسماء مستشهداً على كل اسم بنص قرآني، ولم يرق ذلك للزرقاني إذ قال: (تجاوز صاحب البرهان حدود التسمية، فبلغ بعدتها خمسة وخمسين، وأسرف غيره في ذلك حتى بلغ بها نيفاً وتسعين، كما ذكره صاحب التبيان(23)، واعتمد هذا وذاك على اطلاقات واردة في كثير من الآيات والسور، وفاتهما أن يفرقا بين ما جاء من تلك الالفاظ على أنه اسم، وما ورد على أنه وصف، ويتضح ذلك لك على سبيل التمثيل في عدهما من الاسماء لفظ قرآن ولفظ كريم أخذاً من قوله تعالى: {انه لقرآن كريم}(24)، كما عدّا من الاسماء لفظ ذكر ولفظ مبارك، اعتماداً على قوله تعالى: {وهذا ذكر مبارك انزلناه}(25) على حين أن لفظ قرآن وذكر في الآيتين مقبول كونهما اسمين، أما كريم ومبارك فلا شك انهما وصفان كما ترى، والخطب في ذلك سهل يسير، بيد أنه مسهب طويل)(26).

والظاهر أن كثرة الاسماء تدل على شرف المسمى، ومن هنا نفهم حرص بعض العلماء على استنباط اسماء كثيرة للقرآن، وتجاوز ذلك الاستنباط الى حد الخلط بين الاسماء والصفات، ومن أشهر أسمائه:

1 – القرآن، لقوله تعالى {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}(27).

2 – الكتاب، فقد ورد ذكر هذا الاسم في آيات كثيرة، كقوله تعالى: {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}(28)، وقوله تعالى: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا}(29)، ووجه تسمية القرآن كتاباً أن الكتابة ضم الحروف بعضها الى بعض، كما أن القراءة ضم الالفاظ بعضها الى بعض، ولا تنس أن هناك حكمة في إطلاق هذين العلمين (القرآن والكتاب) على كلام الله تعالى ذكرها العلامة محمد عبدالله دراز فقال: (روعي في تسميته قرآناً كونه متلواً بالالسن، كما روعي في تسميته كتاباً كونه مدوناً بالأقلام فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه، وفي تسميته بهذين الاسمين اشارة الى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد، أعني يجب حفظه في الصدور والسطور جميعاً)(30).

3 – الفرقان، وهو يلي الاسمين السابقين في الشهرة وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في قوله: {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}الفرقان 1، وهو مصدر استعمل بمعنى اسم الفاعل، أي أنه كلام فارق بين الحق والباطل أو استعمل بمعنى اسم المفعول، أي: أنه كلام مفروق بعضه عن بعض في النزول أو في السور والآيات.

4 – الذكر، يقول الله سبحانه وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(31) وسمي ذكراً لانه يذكّر الناس بربهم، وبالحقائق التي يجب عليهم الايمان بها، قال تعالى: {وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم}(32).

5 – التنزيل، قال تعالى: {وإنه لتنزيل رب العالمين}(33).

هذه أشهر اسماء القرآن الكريم، وللقرآن أوصاف أيضاً منها: أنه نور قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا اليكم نوراً مبيناً}(34)، ومنها أنه مجيد، يقول الحق عز وجل: {بل هو قرآن مجيد}(35)، ومنها أنه هدى وبشرى: قال تعالى: {مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين}(36) الى غير ذلك من الصفات الكثيرة التي وصف الله بها القرآن الكريم.

خلوده وهدايته:نزل الروح الأمين بالقرآن الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، وتحدى الله تعالى بالقرآن البشر ليأتوا بمثل سورة منه فعجزوا، واحتوى كثيراً من الغيبيات والكونيات والاشارات التي لا يسع النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الاتيان بمثلها، مما يدل دلالة قاطعة على أن القرآن من عند الله تعالى، وسيأتي – باذن الله – بيان ذلك عند الحديث عن ربانية القرآن الكريم قريباً، والقرآن باقٍ ما بقيت الدنيا، وعلى مر الدهور والعصور يتحدى عوامل الفناء والافناء، إذ تولى الله سبحانه وتعالى حفظه، وتكفل ببقائه فقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(37)، وحفظ القرآن ميزة تميز بها عن سائر الكتب السماوية السابقة، تلك الكتب التي وكلت الى من نزلت عليهم، قال تعالى: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء}(38)، ومن ثمّ لا يستغرب تحريفها، وضياع كثير من تشريعاتها وتفصيلاتها، ولقد كان لخلود القرآن الأثر البين في كثير من المجالات، إذ حفظ الله سبحانه وتعالى بحفظه الشريعة، وأبقى على الأمة، وحفظ لها لغتها التي هي مناط حضارتها ورفعتها، ولما تقدمت الامم في المجالات العلمية لم تزدد الحقائق القرآنية الا رسوخاً وثباتاً، ولم يسع العلماء الا السجود والانصياع لعظمة الباري، ودقيق صنعته وباهر حكمته، بالاضافة الى معالجة القرآن شتى المشكلات الانسانية في مرافق الحياة كافة علاجاً حكيماً، عزز أسباب خلوده وإعجازه، وسعادة الناس به، ولن يضيق القرآن باتباعه طول الزمان، وبقاء الانسان، مهما تقدم وتعلّم وتطور.

هذا عن خلوده، وأما عن هدايته فهو المشعل المضيء الوقاد، الهادي الى سبيل الرشاد، قال تعالى: {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}(39)، وهو تذكرة المتقين، وحق اليقين، أنزله الله تعالى رحمة للعالمين، وشفاء لصدور المؤمنين،ودعاهم للفرح به، واستمطار خيراته فقال سبحانه: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدوروهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}(40)،إن تقرير الهداية القرآنية ثابت في مطلع القرآن الكريم في أول سورة البقرة {ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين}(41)، كما أنه يسطع في ثنايا السور والآيات، حتى فاق عدد الفاظ الهدى باشتقاقاته المئات، فقرن حيناً بالبينات والبشرى والرحمة، اذ قال سبحانه وتعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين}(42)، وقرن حيناً آخر بالبصائر والرحمة، إذ قال سبحانه وتعالى: {هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون}(43)، والحاصل أن الآيات القرآنية متآزرة على اثبات الهداية للقرآن، شهد بذلك القرآن نفسه، وأيده المرسلون، ووقع موقع القبول والحب لدى المسلمين من الانس، ولم يتردد الجن لما رأوا الهدى القرآني فسارعوا الى الايمان، وقالوا:{وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساًولا رهقاً}(44)،إن الهداية هدف للقرآن نبيل، ومقصد شريف، وغاية سامية، وفي سبيل تحقيقها انتهج القرآن أساليب نظيفة شتى، من أشهرها:

الصفحات