أنت هنا

قراءة كتاب بياض الليل سواد النهار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بياض الليل سواد النهار

بياض الليل سواد النهار

كتاب " بياض الليل سواد النهار " ، تأليف غادة صديق رسول ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، من أجواء الرواية نقرأ:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

– تقصد دار سارة خاتون، فقد فهمت أن ابنة الأخ قد قدمت لتتولى أملاك العمّّة الراحلة!

هز سلطان أفندي رأسه كعلامة موافقة على تعقيب السقّا، الدقيق في كلامه دقته في عمله، فهو لا يسهو عن دار، فيتركها عطشى. لم ينتظر سلطان كلام حاجي لوقت طويل، فالسقّا أجابه فوراً قائلاً:

– بالطبع دفعني الفضول لأن أجر قدميَّ إلى هناك منذ بداية الصبح، بعد أن سقيت منزل الحاج عثمان لأن زوجته قد رزقت بغلام قبل يوم، فهي أحوج الناس إلى الماء العذب. أما المرأة التي قدمت من مكان بعيد لا يعرف أحد اسمه، أقصد الخاتون الجديدة، فإنها نسخة من تلك التي ماتت واسترحنا منها! ولن أتوقع أن تكون الغريبة أفضل من سابقتها. مثلما أخبرتني نرجس التي تعمل في منزلها منذ وقت طويل، هؤلاء يرضعون صغارهم خمراً، لا حليباً، ليتحولوا إلى وحوش لها وجوه البشر.

صمت حاجي بعض الشيء، ونظر في وجوه المستمعين إليه، كان التشويق واضحاً على ملامحهم. لم يرغب الرجل بأن يكون متجنياً، لكنه شعر بالحاجة إلى الإفصاح عن مكنونات قلبه، فلا أحد بفهم وعقل سلطان أفندي وعمّه في البلدة كلها، فواصل:

– لا تتصوروا أني رجل محدود العقل، وأن عملي كسقّا، هو عمل بدني بلا عقل ولا روح. فالناس يختارون من يسقيهم الماء الذي هو أصل كل شيء حي، مثلما ورد في القرآن الكريم، والاختيار يقع على الأرواح الطيبة فقط. إن عملي كما تعلمون أساسه النهر، أحياناً أنصت لصوت جريانه، وأشعر أنه يحدثني، وأنه يعرفني جيداً ويقدر ما أقوم به كل يوم منذ أكثر من أربعين عاماً. والماء الطاهر الجاري، أخبرني بطريقته من تكون تلك الخاتون التي ماتت والتي لا تجوز على روحها غير الرحمة! قبل عشرين عاماً كنت على الضفة أغرف الماء، فوجدته قد تعكر وفار ما إن مرت بقربه. هدأ الهواء كأنها سحبته كله بنفسها المخيف... هل ستضحكون مني؟ أنا أخاف هذه المرأة، وكنت أتجنب رؤيتها ما وسعني ذلك!

قاطعه سلطان أفندي وهو يناديه (بالعمّ حاجي)، وأكد له أنه إذا ما سخر من كل البشر فلن يفعل هذا معه أبداً. تمتم الرجل الذي هو بنظر السقّا البسيط أكثر رجال البلدة ثقافةً وعلماً واطلاعاً، بكلمات غير مفهومة، مثل (الحدس)، (فطرة الأرواح النقية وقدرتها). وقال وهو يوجه الكلام إلى حاجي مجدداً:

– لم تخبرنا لغاية الآن، هل رأيت الخاتون الجديدة، سارة؟

– رأيت المرأة الجديدة نعم، عمرها بحدود السبعة عشر عاماً، تشبه عمّتها لدرجة غريبة. لم أسمع صوتها، ولم تتحدث بشيء معي. كانت تسير في الحديقة تتأمل أشجارها ومزروعاتها، وهي تتلفت في كل مكان. ربما تحصي أملاكها جيداً! حين مرت بالقرب مني، نظرت إلي نظرة من تريد أن تتذكر أين رأتني في السابق، ومتى!

غيّر حاجي الموضوع بسرعة، لأنه يريد أن يهرب منه ومن ذكرياته، حين سأل الخزنة دار إن كان يتوقع نجاح الوزير عبد الله في حملته العسكرية. فأجابه الآخر إن الغيب لا يعلمه إلا الله وحده، لكن التجهيزات العسكرية ضخمة، والجيش جرار، إضافة إلى أن ورش محلة البارودجية في الموصل تعمل منذ أشهر لإمداد الوزير بمتفجرات تكفي لنسف مدن بأكملها. دعم الخزنة دار حديثه بذكر أرقام ضخمة لم يحفظها حاجي بل مرت إلى سمعه من أذن لتخرج من الأخرى. وبعد شربه لفنجان القهوة الثاني همَّ حاجي بالرحيل فرجاه سلطان وعمّه للبقاء معهما ومشاركتهما وجبة الغداء، لكنه اعتذر لأنه لم ينهِ عمله بعد، وحين تناول قربة الماء، بدا على وجهه الانشراح لأنه متوجه إلى عمله الذي يؤديه بحب، وهرع إلى الضفة.

كان لدى سلطان كلام كثير ليرويه لعمّه، ونقاشات يجب أن يخوضها معه، فدعاه للذهاب إلى غرفته بحجة أنه يريد أن يريه الكتاب القيِّم الذي يقوم بنسخه. فهو يدري أنه لن يتمكن من الحديث بحرية وخصوصية في غرفة الجلوس. فالرجال الذين توجهوا إلى البساتين منذ ساعة قد يعودون في أية لحظة، وأمه تدخل الغرفة بين وقت وآخر لتقديم شراب الأعشاب الساخن، أو طبق فاكهة مجففة. وحين انفرد الرجلان أخيراً، تنفس سلطان أفندي الصعداء، وقال لعمّه:

– هل تذكر يا عمّي حديثنا الذي أجريناه قبل أكثر من عام، بخصوص زبيدة خاتون؟ كانت قد مرضت توّاً حينئذ.

– أتذكر، وأنا أعيده مع نفسي منذ سمعتك تتحدث مع حاجي عن موتها. أيعقل أن قريبة لها قد وصلت مرة أخرى؟ هناك أمر غريب يجري هنا.... أقصد هناك سر لهذا الموضوع الذي ما فتئ يتكرر!

الصفحات