أنت هنا

قراءة كتاب علم الأسلوب - مدخل ومبادئ

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
علم الأسلوب - مدخل ومبادئ

علم الأسلوب - مدخل ومبادئ

كتاب " علم الأسلوب - مدخل ومبادئ " ، تأليف د. شكري عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 9

الفصل الثالث

علم الأسلوب

النقد الأدبي، تاريخ الأدب

اللغويون الخّلص من علماء الأسلوب يسجلون الخصائص التعبيرية (بالمعنى الضيِّق لكلمة التعبيرية، كما يستعملها بالي مثلا) لنوع ما في الاستعمالات اللغوية ـ ويفضلون الأنواع البسيطة مثل حديث تليفوني، أو إعلان صحفي، أو وثيقة شرعية..... إلخ، مفصلين السمات المميزة للنص من حيث نطق الحروف، وصيغ المفردات وأنواعها، وأشكال الجمل وطرق الربط بينها، غير متجاوزين ظاهر اللغة. وربما استخدموا منهج "تحليل المحتوى" المعروف عند علماء الاجتماع، فصنفوا أنواع الدلالات في مجموعة من النصوص ـ دلالات المفردات، أو الصيغ، أو التراكيب ـ ليجيبوا عن أسئلة معينة تتعلق بالوظائف العملية الظاهرة التي تؤديها هذه النصوص. وبذلك يوضحون أسس "الاختيار" في مجال معين من المجالات التي تستخدم فيها اللغة (وإذا عرفت هذه الأسس علميًا أمكن الانتفاع بها عمليًا فيما بعد). وربما جاء بعدهم متخصص في "علم الاجتماع اللغوي" يستنتج الدلالات الاجتماعية للخصائص التي سجلوها عن اللغة المستعملة في الأوامر الإدارية في قُطر من الأقطار مثلا، أو عن اللغة التي يستعملها تلاميذ المدارس في حيٍّ معين خارج فصول الدراسة...... إلخ. وفي كل هذه الأنواع من التحليل اللغوي يقف المحلل دائمًا عند ظاهر اللغة. أما الناقد الأدبي الذي يستخدم التحليل اللغوي فإنه يتعامل مع نص لا يمكنه الوقوف عند ظاهره. فلو ظل واقفًا عند الظاهر لما وصل إلى شيء مهم، وإن قام بكل أنواع التصنيفات والإحصاءات التي يمكن أن يقوم بها عالم لغوي. إن النتائج اللغوية الصرف التي يمكن الوصول إليها من تحليل شعر زهير أو شعر المتنبي لا تعني الناقد، وكل ما يستطيع العالم اللغوي أن يدَّعيه في هذه الحالة هو؛ أن النتائج التي وصل إليها بالتصنيف والإحصاء ستظل تنتظر الناقد الأدبي الذي يستنتج منها دلالات فنية. ولكن المرجح أن مثل هذا الناقد سوف ينفق في تصفحها وقتًا غير قليل ثم يزيحها من أمامه يائسًا. ذلك أنها لا تقول له شيئًا يهمه. فالعالم اللغوي يهتم بكل شيء في لغة المتنبي أو لغة زهير، لأنه يريد أن يجمع صورة كاملة للغة. وإذا تحدث عن "أسلوب" زهير أو "أسلوب" المتنبي فهو لا يعني أكثر من مجموع الخصائص التي تميزهما. ولا شك أن استخلاص هذه الخصائص عملية بالغة العسر والمشقة، لأنها تتطلب المقارنة باللغة "القياسية" المستعملة في عصر المتنبي أو عصر زهير. فسيكون عليه أن يحدد هذه اللغة القياسية أولا: لهذا لم يخطئ اللغويون الذين نفروا من دراسة الأساليب الأدبية. فالنصوص الأدبية يمكن أن تدرس دراسة لغوية فقط، أما أن تدرس دراسة لغوية أسلوبية فهذا مطلب يوشك أن يكون مستحيلا. إنما يستطيع أن يقوم بالدراسة الأسلوبية للنصوص الأدبية ناقد أدبي، تكون مهمته تمييز النص الأدبي من أي نص لغوي آخر، بل من أي نص أدبي آخر. بعبارة أخرى: إن الاختيارات التي يجمعها الناقد الأسلوبي لا يمكن أن تظهر إلا مرتبطة بوظيفتها في أداء موقف شعوري معين صدر عنه النص الأدبي. وكثيرًا ما يظهر في هذه الاختيارات اجتراء واضح على اللغة. وقديمًا قال نقادنا إن الشعراء ملوك الكلام، وقال الفرزدق ليغيظ أحد النحويين: علينا أن نقول وعليكم أن تعربوا. وما تمسَّك الشعراء بحقهم في هذا الاجتراء إلا لأنه امتياز طبيعي تخوِّلهم إياه وظيفتهم. فما دامت وظيفتهم هي اقتناص شوارد الشعور فمن حقهم أن يلووا عنق اللغة إذا بدا لهم ذلك ضروريًا. ومن ثم يولي الناقد الأسلوبي هذه الاختيارات المتطرفة عناية خاصة، وقد سمَّاها النقاد الأسلوبيون "انحرافات" وأعطوا هذا الاسم، في الدراسات الأسلوبية، كل ما يمكن من آيات الاحترام التي لا يحظى بها في أمور الحياة العادية، حتى قال بعضهم معرفًا علم الأسلوب إنه "علم الانحرافات"(11).

وإذا كان الأمر كذلك، فليس بوسعنا أن نزعم أن علم الأسلوب، كما يراه النقاد الأسلوبيون، ينطوي على أية "قوانين"، كما هو شأن العلوم الوصفية، التي يحاول أن يكون واحدًا منها. فإذا كان في وسع الأسلوبيين اللغويين أن يستخلصوا قوانين مطردة تحكم الاختيارات اللغوية في شتى الفروع، فكيف يمكن أن يصاغ قانون "للانحراف" وهو بحكم تعريفه نفسه، خروج على القانون؟ الأوْلى إذن أن يعد "الانحراف" في النصوص الأدبية ـ ومثله "الاختيار" في هذه النصوص أيضًا ـ "مبدأ" مسلمًا به، يبيح للشاعر أو الكاتب المبدع أن يضع قانونه الخاص الذي لا يشترط فيه إلا أن يكون الكلام قادرًا على التوصيل. أو بعبارة أخرى: إن الانحراف ليس له حد يقف عنده إلا المخالفة الصريحة لقوانين اللغة، بحيث تتحطم العلاقات بين الأصوات اللغوية، فتستحيل لغطًا غير مفهوم.

الصفحات