أنت هنا

قراءة كتاب نهاية السيد واي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نهاية السيد واي

نهاية السيد واي

كتاب " نهاية السيد واي " ، تأليف سكارلت توماس ترجمه إلى العربية إيمان حرزالله ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 3

يمنع الحارس المرور من المدخل الرئيسي للمبنى، فأهبط الدرجات وأسلك الطريق الجانبي. اسمي ليس مكتوبًا على باب مكتبي. مكتوب عليه فقط اسم صاحبه الرسمي، بروفيسور سول بيرلوم. قابلت بيرلوم مرّتين فقط قبل مجيئي هنا: في مؤتمر بجرينيتش، والمقابلة الرسمية التي أجراها معي. ثم اختفى بعد أسبوع واحد من مجيئي. أذكر أنّي دخلت المكتب صباح يوم خميس ولاحظت أنّه مختلف. بدايةً كانت الستائر مسدلة والنافذة مغلقة: بيرلوم يغلق نافذته في نهاية كلّ يوم، لكنّ أيًّا منّا لم يقرَب الستائر الرمادية النحيلة البشعة، ممّا أبقى على رائحة دُخَان السجائر. كنت أتوقّع حضوره يومها حوالَي الساعة العاشرة، لكنّه لم يأتِ. بحلول الاثنين التالي بدأت أسأل عنه الآخرين فقالوا إنّهم لا يعلمون شيئًا، وعند نقطة ما، تولّى أحدهم محاضراته. لا أعرف هل تدور نميمة في القسم حول هذا الأمر أم لا ـ فلا أحد ينمُّ معي ـ لكن على ما يبدو أنّهم يفترضون أنّني أتابع إعداد رسالة الدكتوراه الخاصّة بي وأنّ وجوده ليس بذي أهمّية كبيرة لي. إنّه السبب الرئيسي لمجيئي هنا بالطبع: فهو الوحيد في العالم الذي قام ببحوث جادّة حول أحد اهتماماتي الرئيسية، كاتب القرن التاسع عشر توماس إي لوماس. بدون بيرلوم لست واثقة حقًّا من سبب وجودي هنا. وبالفعل أشعر بشيءٍ ما يتعلّق باختفائه؛ ليس افتقادًا على وجه الدقّة، لكنّه شيءٌ ما.

سيّارتي في ساحة انتظار السيّارات التابعة لمبنى نيوتن. لا أُدهش إطلاقًا حين أصل هناك وأجد عدّة رجال بخوذات ثقيلة يطلبون من الناس أن يتركوا سيّاراتهم في مكانها وأن يعودوا سيرًا على الأقدام أو بالحافلة. أحاول مناقشتهم ـ فأقول إنّني يسعدني أن أجازف؛ لأنّ مبنى نيوتن لن يُعيد المشهد مرّة أخرى ببطءٍ لينهار مجدّدًا في اتّجاهٍ مختلف تمامًا ـ لكنّهم كانوا في غاية السعادة وهم يخبرونني أن أغرُبَ عن وجوههم، وأن أعود إلى المنزل سيرًا على الأقدام أو بالحافلة كالآخرين، في النهاية أتوجّه لمحطّة الأتوبيس. ما زال يناير في بداياته لكنّ بعض زهور النرجس البرّي وقطرات اللبن شقّت طريقها عبر الأرض بالفعل واصطفّت في صفوف صغيرة مندّاةً على جانبَي الممشى. محطّة الأتوبيس قابضة للنفس: طابور من بَشَرٍ يبدو عليهم البرد والهشاشة مثل صفوف الزهرات، فأقرّر أن أسير.

ظنِّي أنّ ثمّة طريقًا مختصرًا للمدينة عبر الغابة، لكنّي لا أعلم من أين، أسلك المسار الذي كنت سأقود فيه السيارة حتّى أغادر الحرم فقط، يستمرّ ذهني في استعادة مشهد انهيار المبنى حتّى أتنبّه أنّ ذاكرتي تحتفظ بأشياء لم تحدث أساسًا فأقلع تمامًا عن التفكير في هذا. ثم أفكّر في نفق السكّة الحديد، سبب وجوده هنا مفهوم: فالحرم مشيّد بصفة عامّة على قمّة ربوة عالية ومن المنطقيّ أن يكون المرور بها من أسفلها وليس من أعلاها. قال ماكس إنّ النفق لم يُستخدم منذ أكثر من مئة عام تقريبًا، من يعلم كيف كان الحال منذ مئة عام، ليس حال الجامعة بالطبع، تلك شُيِّدت في الستينيات. الجوّ بارد جدًّا. هل أكان من الأفضل أن أنتظر الحافلة؟ لكن لم يمرّ بي أتوبيس أثناء سيري. أصل للطريق الرئيسية للمدينة وأصابعي متجمّدة داخل القفّازات، أتحقّق من الطرق المتفرِّعة يمينًا؛ بحثًا عن طريق مختصر. على الطريق الأوّل لافتةُ (ممنوع الدخول)، أجزاء منها ملطَّخة بفضلات طيور النورس؛ الطريق الأخرى تبدو أفضل حالًا، إلى يسارها بيوت بشرفات من الطوب الأحمر، أسلكها.

ظننتُ أنّه طريق سكنيّ، لكن سرعان ما اختفت بيوت الطوب الأحمر وظهر متنزّهٌ صغير به أرجوحتان وزلّاقة تُركوا ليصدءوا تحت الظلال القاتمة لتشابُك فروع شجرة بلوط جرداء. خلف المتنزّه حانةٌ بجوارها صفٌّ صغير من المتاجر. متجرٌ خيريٌّ بهيئةٍ حزينة، مغلق الآن، ومصفِّف شعر حريميّ من ذلك النوع الذي يصبغ الخُصلات الزرقاء ويقدّم خصم خمسين بالمئة أيّام الاثنين. ثمّة أيضًا كشك جرائد، ومتجر حيوانات أليفة ثم ـ آها ـ متجر للكتب المستعملة. وما زال مفتوحًا. أشعر أنّني تجمّدت من البرد. فأدخل.

الجوّ دافئ بالداخل ورائحة خفيفة لملمِّع أثاث. على الباب جرس صغير يظلّ يصلصل لثلاث ثوانٍ على الأقلّ بعد أن أغلق الباب. تأتي شابّة من خلف أرفف كتبٍ ضخمة في يدها علبة ملمِّع أثاث وفوطة صفراء. تبتسم باقتضاب وتخبرني أنّ المكان سيغلق خلال عشر دقائق لكن لا بأس من أن أتجوّل قليلًا. ثم تجلس وتأخذ في نقر شيءٍ ما على لوحة مفاتيح أمامها متّصلة بجهاز كمبيوتر على الطاولة.

«ألديك فهرس إلكتروني للكتب الموجودة هنا»؟ أسألها.

تتوقّف عن الكتابة وترفع بصرها لي. «نعم، لكنّي لا أعرف كيفيّة استخدامه، أنا فقط في محلِّ صديقتي. عذرًا».

«آه. لا بأس».

«عمّ تبحثين؟».

«لا يهمّ».

«لا، أخبريني ربّما أتذكّر مروري به أثناء التلميع».

«مم. حسنًا إذن، يوجد كاتب يُدعى توماس إي لوماس، هل لديكم أي من كُتبه؟» دائمًا أسأل هذا السؤال في متاجر الكتب المستعملة. ونادرًا ما يوجد شيءٌ منها، والحقيقة أنّ لديَّ أغلب كُتبه بالفعل، لكنّي أظلّ أُكرِّر السؤال؛ أملًا في نسخة أفضل أو أقدم أو بمقدّمة مختلفة أو غلاف خارجي أنظف.

«ارر...». تقطب جبينها قائلة: «كأنّ الاسم مألوف قليلًا».

الصفحات