كتاب " نهاية السيد واي " ، تأليف سكارلت توماس ترجمه إلى العربية إيمان حرزالله ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب نهاية السيد واي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

نهاية السيد واي
اثنان
أصلُ شقّتي حوالَي الخامسة والنصف تقريبًا. بدأت معظم المتاجر في الشارع تُغلق أبوابها، لكنّ كشك الجرائد على الجانب المقابل يتألّق بأشخاص توقّفوا في طريقهم للمنزل لشراء الجريدة أو علبة سجائر. ما زال مطعم البيتزا أسفل شقّتي مظلمًا، لكنّي أعرف أنّ لويجي صاحبه في مكان ما بالداخل يجهّز عمله ليفتح المطعم أبوابه في تمام الساعة السابعة. محلّ الملابس الفاخرة الواقع بجواره أضواؤه مطفأة، لكنّ ثمّة ضوءًا ناعمًا يأتي من أعلاه حيث مقهى باراديس الذي لا يغلق حتّى السادسة. يقعقع خلف المتاجر قطار يسير ببطء على قضبان جافّة عجوز وتومض أضواؤه في تقاطع نهاية الطريق.
الممشى الأسمنتي المؤدّي لسلالم البوّابة الأمامية بارد كالعادة، ومظلم. لا توجد درّاجة، لم يعد وولفجانج ـ جاري ـ لمنزله بعد. لا أعرف كيف يتدفّأ في شقّته (ظنّي أنّ كمّيات البراندي الهائلة التي يشربها في الغالب تساعده)، لكنّ البرد في شقّتي شقاء لا يُحتمل. لا أعلم متى بُنيت الشقّتان، كلٌّ منهما واسعة جدًّا وبسقف عالٍ، ورواق طويل يتردّد فيه صدى الصوت. ستكونان رائعتين بالتدفئة المركزية لكنّ صاحب المنزل لن يفعل هذا. قبل أن أخلع معطفي أضع صندوق الكتب وحقيبتي على طاولة المطبخ البلوط الكبيرة وأضيء النور ثم أجرّ المدفأة الكهربائية من غرفة النوم وأصلها بالكهرباء، أراقب قضيبيها المعدنيين يحمرّان ببلادة (يبدوان لي دائمًا كأنّهما يعتذران) ثم أشعل كلّ عيون الموقد، وأغلق باب المطبخ، حينذاك فقط أخلع ملابسي.
أرتجف، لكن ليس بردًا فقط، أُخرج نهاية السيِّد واي من الحقيبة وأضعها على الطاولة بحرص. لسبب ما يبدو من الخطأ وضعها هناك بجوار صندوق الكتب وكوب قهوة الصباح. أضع الصندوق بعيدًا والكوب في الحوض. الآن، الكتاب وحده على الطاولة. أمسكه وأمرّر يدي عليه لأتحسّس برودة القماش الكريمي للغلاف المقوّى، أديره وأتحسّس غلافه الخلفي، كأنّه قد يختلف عن الأمامي، ثم أضعه ثانية، نبضي كدقّات آلة كاتبة. أملًا ماكينة الإكسبريسو الصغيرة وأضعها على أحد عيون الموقد المشتعلة، ثم أصبّ نصف كأس من زجاجة البراندي التي أعطاها لي وولفجانج وأشربه على جرعتين.
ريثما تغلي القهوة، أتحقّق من مصائد الفئران. كلانا أنا وولفجانج تسلّلت الفئران إلى شقّتينا، هو يقترح جلب قطّة، وأنا لديّ تلك المصائد التي لا تقتل الفئران، بل تحتجزها فقط لفترة زمنية في مستطيل بلاستيكي صغير حتّى آتي وأطلق سراحها. لا أظنّ أنّ هذا الأمر يفلح إذ إنّني لا أكاد أطلق سراحها في الخارج حتّى تعود فورًا للداخل، ومع ذلك لا يمكنني قتلها. اليوم يوجد ثلاثة فئران تبدو ضَجِرةً وحانقة في سجونها الشفّافة الصغيرة، آخذها لأسفل وأطلق سراحها في الباحة. لم أكن لأمانع من وجود فئران في الشقّة لكنّها تأكل كلّ شيء حقًّا، وذات مرّة عبر فأرٌ على وجهي وأنا في الفراش.
حين أعود لأعلى آخذ أربع ثمرات بطاطس من حامل الخضراوات وأغسلها بسرعة ثم أرشّ عليها ملحًا وأضعها في الفرن على نار هادئة. هذا ما أستطيع طبخه الآن، ولست جائعة أساسًا. كنبتي في المطبخ، فلا مبرّر معقول لوضعها في غرفة الجلوس الخاوية حيث لا تدفئة. وهكذا حين تمتلئ الغرفة بالبخار ورائحة البطاطس المخبوزة أخلع حذائي أخيرًا وأستلقي على الكنبة بقهوتي وعلبة سجائر الجنسنج ونهاية السيِّد واي. أقرأ السطور الأولى من المقدّمة، سرًّا أولًا، ثم جهرًا، ويقعقع قطار آخر بالخارج...
«قد تبدو الأحداث التالية للقارئ محض خيال أو حتّى حلم خُطّ بعد الصحو، في تلك اللحظات المحمومة حين يظلّ المرء تحت تأثير تلك الحيل السحرية التي تتولّد في الذهن فور إغماض العين».
لا أموت. لكنّي لم أتوقّع أن أموت حقًّا. كيف لكتاب أن تتبعه لعنة على أيّة حال؟ الكلمات نفسها ـ التي لم أستوعبها من أول مرّة ـ تبدو ببساطة معجزة. فقط لكونها هنا ولم تزل هنا مطبوعة بخطّ أسود على صفحات خشنة صفّرها الزمن، هذا ما يدهشني. ليس بإمكاني تخيّل الأيادي الأخرى التي لامست هذه الصفحة، أو العيون التي رأتها. صدر عام 1893، ثم ماذا حدث؟ هل قرأه أحد بالفعل؟ كان لوماس قد أمسى كاتبًا منعزلًا حقًّا حين كتب نهاية السيِّد واي. كان قد اشتهر فترةً في ستينيات القرن وعرف الناس اسمه، لكنّهم فقدوا اهتمامهم به واعتبروه مجنونًا أو ممسوسًا حين ذهب ذات مرّة حيث كان تشارلز داروين(7) يتلقّى ما كان يدعوه «علاجه المائي» في يوركشاير ووجّه له سبابًا وقحًا عن الصدفيّات ثم لكمه في وجهه. كان ذلك عام 1859، وبدا بعدها أنّه يميل أكثر من أيّ وقت مضى لأنشطة أكثر سرِّية مثل زيارة وسطاء روحانيّين، واستكشاف الأحداث الغامضة، وصار بالفعل أحد رعاة مستشفى لندن الملكيّ للطبّ البديل، وبعد عام 1880 تقريبًا بدا أنّه توقّف عن النشر، ثم كتب نهاية السيِّد واي ومات يوم صدورها بعد أن مات جميع من كان عليهم التعامل مع النصّ (الناشر والمحرّر والمنضد). من هنا جاءت شائعة «اللّعنة».