أنت هنا

قراءة كتاب التصميم العظيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التصميم العظيم

التصميم العظيم

كتاب " التصميم العظيم " ، تأليف مجموعة مؤلفين ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 7

لقد رفض المسيحيُّون اليونانيُّون فيما بعد فكرة أنَّ الكون محكوم بقانون طبيعيٍّ محايد. كما رفضوا أيضًا فكرة أنَّ البشر لا يتمتَّعون بمكانة مميَّزة ضمن هذا الكون. ومع أنَّ فترة القرون الوسطى لم يكن فيها نظام فلسفيٌّ مترابطٌ منطقيًّا، إلَّا أنَّ الفكرة الأساسية كانت أنَّ الكون هو بيت دُمية الله God's dollhouse، وأنَّ دراسة الدِّين ذاتُ قيمةٍ أكبر من دراسة الظاهرة الطبيعة. وفعليًّا، في عام 1277، وامتثالًا لتعاليم البابا جون الحادي والعشرين Pope John XXI، قام تِمبير Tempier أسقف كنيسة باريس بإصدار قائمة بـ219 من الآثام أو الهرطقات التي كان يتوجَّب إدانتها. وكان من ضمن تلك الهرطقات الفكرة القائلة بأنَّ الطبيعة تتبع القوانين، لأنَّ ذلك كان يتعارض مع قدرة الله الكلِّيَّة. والمثير أنَّ البابا جون قد قتل بعد ذلك بعدّة أشهر بتأثير قانون الجاذبية حيث سقط سقف القصر عليه.
لقد بزغ المفهوم الحديث لقوانين الطبيعة في القرن السابع عشر، ويبدو أنَّ كيبلر هو أوّلُ عالمٍ فهمَ المصطلحَ بمعنى العلم الحديث، مع أنَّه وكما ذكرنا، قد احتفظ برؤية روحانية animistic للأجسام المادِّية. ولم يستخدم جاليليو Galileo (4651 ـ 1642م) مصطلح "قانون" في أغلب أعماله العلمية (مع أنَّه يظهر في بعض ترجمات أعماله). إلَّا أنَّه سواء استخدم الكلمة أم لا، فإنَّه قد اكتشف عددًا كبيرًا من القوانين، ودافع عن المبدأ الأساسيِّ بأنَّ الملاحظة هي أساس العلم وأنَّ غاية العلم هي البحث عن العلاقات الكمومية الموجودة في الظواهر المادِّيَّة. لكنَّ رينيه ديكارت René Descartes (6951 ـ 1650) كان هو الشخص الذي صاغ بشكل صريح وصارم مفهوم قوانين الطبيعة كما نعرفه اليوم.
لقد اعتقد ديكارت أنَّه يجب تفسير كلّ الظواهر المادية وفقًا لمصطلحات تصادم الكتل المتحركة، التي تحكمها ثلاثة قوانين كانت سابقة على قوانين نيوتن الشهيرة للحركة. كما أكدَّ على أنَّ قوانين الطبيعة تلك يجب أن تكون صالحة لكلِّ زمان ومكان، وقال بشكل واضح أنَّ الامتثال لهذه القوانين لا يشير إلى أنَّ تلك الأجسام المتحرِّكة لديها عقل. كما فهم ديكارت أيضًا أهمية ما نُسمِّيه اليوم "الشروط الأولية" التي تصف حالة النظام في بداية أيَّة فترة زمنية ينطلق منها المرء للقيام بالتنبُّؤ. فبمجموعة معطاة من الشروط الأولية، ستحدد قوانين الطبيعة الكيفية التي يتطوَّر بها النظام بمرور الوقت، لكن دون مجموعة معينة من الشروط الأولية، لا يمكن تحديد هذا
إذا تعلمتُ شيئًا واحدًا طيلةَ فترة حُكمي،أنَّ: الحرارة تتزايد في الفيزياء كما في السياسة والحياة بشكل عام
التطوّر. فمثلًا لو كانت هناك حمامة فوقك مباشرة في اللحظة صفر، ثم تبرّزت على رأسك، فإنَّ مسار هذا البراز يمكن تحديده وفقًا لقوانين نيوتن. لكنَّ النتيجة ستختلف تمامًا في اللحظة صفر، وستعتمد على إذا كانت الحمامة واقفة على سلك هاتف أو كانت تطير بسرعة 20 ميل في الساعة. فلكي يتمَّ تطبيق قوانين الفيزياء يجب على المرء معرفة الكيفية التي انطلق بها النظام، أو على الأقلّ حالته في وقت محدد. (يستطيع المرء أيضًا استخدام القوانين لتتبع النظام بالعودة إلى الماضي).
بهذا الاعتقاد المُتجدِّد بوجود قوانين للطبيعة، جاءت محاولات جديدة للتوفيق بين تلك القوانين ومفهوم الإله. فحسب ديكارت، يستطيع الإله وفقًا لرغبته، أن يبدِّل الحقيقة أو يلفِّق الفروض الأخلاقية أو النظريَّات الرياضية، لكن الطبيعة لا. كما اعتقد أنَّ الإله قد رتَّب قوانين الطبيعة لكنَّه لم يكن لديه الخيار في ذلك، أو بالأحرى أنَّه قد اختارها لأنَّ تلك القوانين التي نعرفها هي القوانين الوحيدة الممكنة. قد يبدو هذا تعدِّيًا على سلطة الإله، لكنَّ ديكارت تحايل على ذلك بافتراض أنَّ القوانين لا تقبل التعديل لأنَّها انعكاس لطبيعة الإله الداخلية الخاصة. وإذا كان هذا صحيحًا، فقد يفكِّرُ المرء في أنَّ الإله لا يزال لديه الخيار لخلق تنوّع من العوالم المختلفة، يتوافق كلُّ منها مع مجموعة من الشروط الابتدائية المختلفة، لكن ديكارت أنكر ذلك أيضًا. فلا يهم ماهو ترتيب المادَّة عند بداية الكون، كما كان يجادل، إذ أنه بمرور الوقت سوف يتطوَّر هذا العالم ليصبح مماثلًا لعالمنا. والأكثر من ذلك، أنَّ ديكارت أحسَّ أنَّه بمجرد أن خلق الله العالم فقد تركه وشأنه تمامًا.
لقد تبنَّى إسحق نيوتن Isaac Newton (3461 ـ 1727) وضعًا مماثلًا (مع بعض الاستثناءات). فقد كان نيوتن هو الشخص الذي حظي بقبول واسع النطاق لما قدّمه من مفهومٍ جديد للقانون العلميِّ مع قوانينه الثلاثة للحركة، وقانونه الخاصّ بالجاذبية الذي فسّر مداراتِ الأرض والقمر والكواكب، كما شرح ظاهرة كظاهرة المدِّ والجزر. ومنذ ذلك الوقت، ما زالت تُدرَّس المعادلات القليلة التي ابتكرها والإطار الرياضي المحكم الذي اشتُقَّ منها حتَّى اليوم، ويتمّ استعمالها عندما يقوم المعماريُّ بتصميم مبنى أو المهندس بتصميم العربة أو الفيزيائي بحساب كيفية توجيه صاروخ للهبوط على سطح المريخ. وكما تقول قصيدة الشاعر ألكسندر بوب:
كَانَتِ الطَّبِيعَةُ وقوانينُها مخفِيّة في اللّيل،
فَقَالَ اللهُ: ليكُن نيوتن! فكَانَ كُلُّ شيءٍ نورًا.
واليوم، يقول معظم العلماء إنَّ قانون الطبيعة، هو القاعدة التي تقوم على الانتظام الملحوظ، وتمدُّنا بتنبُّؤات تذهب خلف الأوضاع الراهنة التي تقوم عليها. على سبيل المثال، ربَّما نلاحظ أنَّ الشمس قد أشرقت من جهة الشرق كلَّ صباح طيلة حياتنا، فنفترض القانون التالي "الشمس تشرق دومًا من جهة الشرق". وهو تعميم يذهب أبعد من ملاحظاتنا المحدودة للشمس المشرقة، ويتيح لنا تنبُّؤاتٍ يمكن اختبارها عن المستقبل. من جهة أخرى، فإنَّ جملة مثل "أجهزة الكمّبيوتر في هذا المكتب لونُها أسود" ليست بقانون طبيعيٍ، لأنَّها ترتبط فقط بأجهزة الكمّبيوتر في المكتب ولا توفِّر لنا أيَّ تنبُّؤٍ مثل "إذا كان المسئول عن مكتبي ينتوي شراء كمبيوتر جديد، فهل سيكون لونُه أسود".

الصفحات