أنت هنا

قراءة كتاب التصميم العظيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التصميم العظيم

التصميم العظيم

كتاب " التصميم العظيم " ، تأليف مجموعة مؤلفين ترجمه إلى العربية أيمن أحمد عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 9

هل يمتلك الناس إرادةً حرَّة؟ وإن كنَّا نمتلك إرادة حُرَّة، فأين تطوَّرت هذه الإرادة الحرّة على شجرة التطوُّر؟ هل الطحالبُ الخضراء أو البكتريا تمتلك إرادةً حُرّة، أم أنَّها تتصرَّف بشكلٍ آليٍّ ضمن مجال القانون العلمي؟ وهل فقط الكائنات مُتعدِّدة الخلايا هي التي تمتلك الإرادة الحُرَّة، أم أنها الثديَّيات فقط؟ ربَّما نعتقد أنَّ الشمبانزي يُمارس الإرادة الحُرَّة عندما يختار التهام الموز، أو القطَّ عندما يقفز فوق أريكتك، لكن ماذا عن الدودة الأسطوانية التي تُسمَّى (الربداء الرشيقة) Caenorhabditis elegans ـ وهي مخلوقٌ بسيطٌ مكوَّنٌ من 959 خلية فقط؟ من المحتمل أنَّها لا تقولُ مثلًا: "إن تلك البكتريا التي يجب عليَّ تناولها طعمها بغيض"، لكنَّها تمتلك تفضيلًا مُحدَّدًا للطعام، فهي إمَّا أن تكتفيَ بتلك الوجبة غير الجذَّابة، أو تبحث عن مُؤنةٍ أفضلَ، معتمدةً على خبرتها الحديثة. فهل هذه ممارسة للإرادة الحُرَّة؟.
"أعتقد أنَّه ينبغي أن تكون أكثر وضوحًا هنا في الخطوة الثانية"
بالرغم من إحساسنا بالقدرة على اختيار ما نفعله، إلَّا أنَّ وعيَنا بالأساس الجزيئي للبيولوجيا قد أوضح أنَّ العملياتِ البيولوجيةَ تكون محكومةً بقوانين الفيزياء والكيمياء، ولذلك فهي مُحدَّدة تمامًا مثل مدارات الكواكب. وتدعم تجارب علم الأعصاب الحديثة الرؤية القائلة بأنَّ دماغنا الماديَّ، يخضع لقوانين العلم المعروفة التي تحدِّد أفعالنا، وليس لبعض القُوى الموجودة خارج تلك القوانين. فعلى سبيل المثال عند دراسة المرضى الذين أُجريَت لهم جراحةٌ في المُخِّ أثناء اليقظة، وُجد أنَّه بإثارة بعض الأماكن المُعيَّنة في المُخِّ كهربائيًّا، يمكن للمرء أن يُولِّد لدى المريض رغبةً في تحريك اليد أو الذراع أو القَدم أو تحريك الشفاه والتحدُّث. من الصعب تخيُّلُ كيف تعمل الإرادة الحُرّة إذا كان سلوكنا يُحدِّده القانون الماديُّ، ولذلك يبدو أنَّنا لسنا أكثر من آلاتٍ بيولوجية، وأنَّ الإرادة الحُرَّة مُجرَّدُ وَهمٍ.
مع تسليمِنا بحقيقة أنَّ السلوك البشريَّ يمكن تحديدُه وفقًا للقوانين الطبيعية، سيبدو من المعقول أيضًا الإقرار بأنَّ النتيجة التي يمكن تحديدُها بتلك الطريقة المُعقَّدة وبتلك التنويعات المُتعدِّدة، سيكون من المستحيل التنبُّؤَ بها في الممارسة. ولهذا، فإنَّ المرء سيحتاج لمعرفة الحالة الابتدائية لكلِّ ألف ترليون ترليون جزيء في الجسم البشري، وأن يقوم بحلِّ عدد مماثل من المعادلات، وهو ما سيستغرق بعض مليارات السنين، بما يعني التأخُّر قليلًا عن تفادي لكمة يسددها لك شخصٌ ما.
ولأنَّ استخدام القوانين المادية الأساسية للتنبُّؤ بالسلوك البشري هو أمر غير عملي تمامًا، فسنتبنَّى ما يُسمَّى بنظرية التأثيرات effective theory. ونظرية التأثيرات في الفيزياء هي إطار تمَّ وضعه لعمل نموذج لبعض الظواهر التي يتمَّ مشاهدتها دون وصف تفصيلي لكلِّ العمليات التي تقوم عليها. فعلى سبيل المثال، لا يمكننا أن نحلَّ بالضبط المعادلات التي تحكم التفاعلات الجاذبية البينية لكلِّ ذرَّة في جسم الإنسان مع كلِّ ذرَّة في الأرض. لكن لكافَّة الأغراض العملية، فإنَّ قوَّة الجاذبية بين الشخص وبين الأرض يمكن وصفها بمصطلحات قليلة العدد، مثل كتلة الشخص الكُلّيّة. وبشكل مشابه، لا يمكننا حلّ المعادلات المتحكِّمة في سلوك مُركَّب من الذرَّات والجزيئات، لكنَّنا قد طوَّرنا نظريةً فعَّالةً مسمَّاةً بالكيمياء chemistry، لتعطيَنا تفسيرًا كافيًا للكيفية التي تتصرَّف بها الذرَّاتُ والجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية، دونما اعتبار لكلّ تفاصيل التفاعل البينيِّ. وفي حالة البشر، ولأنَّنا لا نستطيع حلَّ المعادلات التي تحدِّد سلوكَنا، فإنَّنا نستخدم نظرية تأثيرات تقول بأنَّ الناس لديهم إرادةٌ حُرّة. ودراسة إرادتنا، والتصرُّفات الناجمة عنها، هو ما يُسمَّى بعلم النفس psychology. الاقتصاد أيضًا نظريةٌ فعّالة، تقوم على فكرة الإرادة الحُرَّة، مع افتراض أنَّ الناس تقوم بتقييم البدائل عن طرق أفعالهم الممكنة ويختارون الأفضل. تلك النظرية الفعَّالة ناجحة فقط على المدى المتوسط في التنبُّؤ بالسلوك، لأنَّه وكما نعرف جميعًا، فإنَّ قراراتِ الناس ليست عقلانية أو منطقية غالبًا، أو أنَّها تقوم على نقص في تحليل تبعات اختيارهم. ولهذا يكون العالم في هذه الفوضى.
يتناول السؤال الثالث مسألة إذا ما كانت القوانين المُحدّدة لكلٍّ من الكون والسلوك البشري هي قوانين فريدة. لو كانت إجابتك عن السؤال الأوّل بأنَّ الله قد خلق القوانين، فإنَّ السؤال الذي سيطرح نفسه بالتالي هو، هل كان لدى الله أيَّة حريَّة في اختيار تلك القوانين؟ لقد اعتقد كلٌّ من أرسطو وأفلاطون وأيضًا ديكارت وآينشتاين فيما بعد، أنَّ قوانين الطبيعة موجودة بصرف النظر عن الضرورة، بما يعني أنَّها القواعد الوحيدة التي يكون لها معنًى منطقيٌّ. ونتيجة لاعتقاده بنشأة قوانين الطبيعة من المنطق، فإنَّ أرسطو وأتباعه قد أحسُّوا بأنَّ المرء يمكنه أن يشتقَّ تلك القوانين دونما اهتمام كبير بكيفية تصرّف الطبيعة في الواقع. كان هذا، مع التركيز على سبب اتِّباع الأشياء للقواعد بدلًا من تحديد ماهية تلك القواعد، هو ما قاد أرسطو إلى القوانين النوعية الرئيسية، التي كانت خطأً في الغالب ولم يثبت أنَّ لها أيَّةَ فائدةٍ على أيِّ حالٍ، مع أنَّها أسهمت في سيادة بعض الأفكار العلمية لعدة قرون. وفي وقتٍ متأخِّرٍ جدًّا فقط، تجاسر بعضُ الناس مثل جاليليو على تحدِّي سلطة أرسطو، وقاموا بملاحظة ما تقوم به الطبيعة فعليًّا، بدلًا ممّا يقوله العقل المحض عما ينبغى أن تفعل.
إنَّ هذا الكتاب يؤصِّل لمفهوم الحتمية العلمية، التي تستلزم أنَّ الإجابة عن السؤال الثاني تقتضي عدم وجود معجزات أو استثناءات في قوانين الطبيعة. ومع ذلك، سنعود لطرح السؤالين رقم واحد وثلاثة بشكلٍ أعمق، عن الكيفية التي نشأت بها القوانين، وإذا ما كانت هذه هي القوانين الممكنة فقط أم لا. لكنَّنا سنتناول في بداية الفصل التالي المواضيع التي تصفُها قوانين الطبيعة تلك. حيث يقول معظم العلماء إنَّها انعكاس رياضي للواقع الخارجي الموجود بشكلٍ مستقلٍّ عن الملاحظ الذي يرى هذا الواقع. لكنّ عند التفكير مليًّا في طريقة ملاحظاتنا التي نُكوِّن بها المفاهيم عمَّا يحيط بنا، فإنَّنا سنقع في فخِّ السؤال التالي، هل لدينا فعلًا سببٌ يدعونا للاعتقاد بوجود هذا الواقع الموضوعيِّ؟

الصفحات