كتاب "تحولات الصورة" للكاتب أثير السادة، يناقش من خلاله أهمية الصورة على واقعنا المعاش من كافة جوانبه، الاجتماعية والسياسية، فهل الصورة فعلاً تختصر تعقيدات الحياة، وتختصر تناقضاتها؟
قراءة كتاب تحولات الصورة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
لم يكن الحداثيون منشغلين بجعل الصورة وسيطاً للبحث في المواضيع بقدر ما كانوا مهتمين بالمسائل الجمالية، فكان العمل منصباً على إنتاج صورة مباشرة حادة التفاصيل دون أي تدخلات، وكان الشعار هو لنجعل الصورة أكثر شبهاً بالصورة، في إشارة إلى هاجس حداثي آخر هو الحفاظ على موضوعية الصورة الفوتوغرافية.
تجارب إدوارد وتسون كانت واحدة من العلامات البارزة في حقبة الحداثة، انشغل فيها بداية بصناعة البورتريه ثم باكتشاف الجسد وتغيراته، وحتى اكتشاف الطبيعة وجمالياتها النحتية إلى أن اقترب من لحظات التجريد في التشكيلات الطبيعية للخضروات، ولعل الصورة الأبيض والأسود لتكوين الفلفل البارد هي الأشهر، وفيها تظهر الصورة تأثيرات أشبه بالنحت في تفاصيل قطعة الفلفل.
وإذا كانت الحداثة في التصوير بدأت من لحظة الانزياح في التركيز من الموضوع محل التصوير إلى الصورة ذاتها باعتبارها الموضوع، فإن ما بعد الحداثة جاءت لتركز على ما وراء الصورة أكثر من الصورة ذاتها، أي الأفكار التي تستبطنها الصورة والرسالة التي تحملها، وكان النقد منصباً على مقولات الحداثة وفي مقدمتها الموضوعية، فبحسب الوعي المابعدي ثمة بعد ذاتي في الصناعة الفنية لا يمكن التجرد منه ولا الحديث معه عن الموضوعية الخالصة، ولذلك لم تنشغل تجارب ما بعد الحداثة بمسألة حدة الصورة بل وجدتها إمعاناً في الإيهام بالموضوعية، وعليه أصبحت الصورة التي يقدمها الفنان هي تعبير عن ما يراه وما يشعر به معاً.
كان يبدو جلياً مدى تأثر الصورة الفوتوغرافية بالتيارات الفنية والمدارس الفكرية التي رسمت ملامح هذه المرحلة، في الوقت الذي كانت تعيش فيه الفنون تجاوراً وتقاطعاً دائماً، ما جعل الصورة حاضرة ضمن بناءات فنية جديدة كأشكال التجميع والدمج التي ظهرت في تجارب الكولاج والمفاهيمية والتركيبية.
برزت طرق جديدة للتعبير بالصورة غير أنها لم تكن في الغالب مشغولة بتطوير الصورة بقدر انشغالها في توظيفها لدعم فكرة العمل المفتوح على مساحة الإبداع بكافة ألوانه التعبيرية، فهي أداة مكملة في أحيان، ومفردة ضمن جملة مفردات كما في الفن المفاهيمي والتركيبي، أي أن الممارسة بذاتها لم تنتج تغلغلاً في جماليات الصورة، بل قدمت تصورات عن أشكال العلاقة الممكنة للصورة الفوتوغرافية في حال تضافرها مع الفنون الأخرى.