قراءة كتاب تسعة أبحاث منطق فلسفية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تسعة أبحاث منطق فلسفية

تسعة أبحاث منطق فلسفية

كتاب " تسعة أبحاث منطق فلسفية " ، تأليف ويلارد كواين ترجمه إلى العربية نجيب الحصادي ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 2

تقديم المترجم

لا أزعم، وقد لا يحق لكثيرين من غير أولي الاختصاص أن يزعموا، فهم كل التفاصيل المنطقية التي يخوض كواين في غمارها؛ غير أنه بالمقدور التغاضي عن كثير منها دون فقد مفاد الرؤى التي يطرحها هذا الفيلسوف المعاصر. القضايا التي يثيرها هذا الكتاب ميتافيزيقية في طابعها العام، ومؤلفه يعمد إلى توظيف التقنيات المنطقية التي تم استحداثها منذ مطلع القرن الفائت ـ بعد أن يجري عليها تعديلات لا مراء في جوهريتها ـ كي يقوم بتوضيح وحسم مسائل تتعلق على وجه الخصوص بالعلم الطبيعي. الراهن أن كواين معني بوجه عام بطرح تصور في المعرفة البشرية، وهو مشغول خصوصا بأمر الكينونات التي يلزمنا المشروع الابستمولوجي بتضمينها في مذاهبنا الأنطولوجية، وإن كان يحرص دوما على إلزامنا بالحد الأدنى منها، فهو يظل نصيرا متحمسا للنزعة الامبيريقية. على ذلك، يستبان أن كواين أكثر استعدادا من أقرانه الامبيريقين لقبول بعض الكينونات المجردة، من قبيل الفئات والأعداد، كونه يذهب إلى أنه لا سبيل للممارسة المشروع العلمي في غيابها.

الدراسات التي يشتمل عليها هذا الكتاب أضحت كلاسيكية. الواقع أنه لا يكاد يخلو بحث معاصر في مسائل أنطولوجيا العلم من الإشارة إلى بعض منها. لقد شعر المعنيون بتلك المسائل أنه يتوجب عليهم اتخاذ موقف من الرؤى التي يشايعها كواين، ورغم أن كثيرا منهم لا يقر المذهب الذي يخلص إليه، فإنهم يستشعرون أهمية الرد على حججه التي بدت قوية بسبب حرصه المستمر على دعمها مستخدما مختلف تقنيات علوم المنطق والدلالة.

في مقاله الأول، المعنون "في الذي يوجد"، يتساءل كواين عما يتعين علينا الالتزام بوجوده عبر المنطوقات التي نقرها. هذا سؤال قديم، فالفلاسفة منذ أقدم العصور تساءلوا عما يحظى بمنزلة الوجود ويتنزه عن غياهب العدم، وهكذا ذهب كثير منهم إلى إقرار وجود عالم مفارق للأنا البشرية لا يرتهن قيامه بقيامها، واعتقد بعض في أن العالم الذي ندرك بحواسنا ليس حقيقيا تماما، وإنما هو ظلال لحقائق خالدة تتموضع في عالم مغاير، وذهب آخرون إلى تكريس تعليم سولبسيسي مفاده أن تكون هو أن تكون موضعا للإدراك، في حين أقرت طائفة أخرى من الفلاسفة أن السؤال عن وجود أشياء بعينها قد يكون حريا بعناء التقصي، بيد أن السؤال العام عما يوجد حقيقة لا معنى له أصلا. في معرض تناوله لهذه المسألة، يشير كواين بداية إلى مأزق يزعم البعض أنه يواجهه كل من ينكر وجود أية كينونة. إذا أنكرتُ وجود شيء تقر وجوده، لن يكون بمقدوري التسليم بوجود أشياء تقر وجودها ولا أقره، إذا أن تسليمي بوجود مثل هذه الأشياء إنما يتناقض مع إنكاري إياها. هذا يعني، على حد تعبير كواين، أن نصير المبدأ السلبي في أي جدل أنطولوجي يعاني من وضع غير موات، إذ سوف يجد نفسه عاجزا حتى عن التسليم بأن خصمه يختلف معه. الأسوأ من ذلك هو أن هناك مذهبا أفلاطوني الطابع يغالي في تحميل كواهلنا بعبء الالتزام بوجود حتى ما نقر صراحة بعدم وجوده. يتوجب على ما لا يوجد، فيما يقر ذلك المذهب، أن يوجد بمعنى ما، وإلا ما احتاز إقرارنا بعدم وجوده على أي معنى. يشبه كواين هذا التعليم بلحية أفلاطون الكثة التي طالما أثلمت شفرة أوكام، لكنه لا يألو جهدا في تبيان الأخلاط التي ينهض عليها.

هكذا يشرع كواين في التساؤل عن طبيعة هذه الكينونة التي يُزعم أننا ملزمون بإقرار وجودها حين ننكر وجود أية كينونة؟ بيّن أنه ليس بمقدور أحد الزعم بأنه محتم علينا إقرار وجود منطقة زماكنية، دانية أو قصية، تضم مثلا حصانا مجنحا من لحم ودم حين نقر أن "بيجاسوس" ليس موجودا. قد يسلم خصمنا بأنه لا يريد شيئا من هكذا قبيل حين يقر إلزامنا بتلك الكينونة، وحين يُكره على تفصيل مراده، قد يقر أن بيجاسوس فكرة في أذهان الناس. لكن قوله هذا، فيما يوضح كواين، إنما يمكننا من الشروع في كشف النقاب عن الخلط الذي وقع فيه. قد نسلم جدلا بوجود كينونة من هكذا قبيل، لكنها ليست ما يتحدث عنه الناس حين ينكرون وجود بيجاسوس.

الصفحات