قراءة كتاب تسعة أبحاث منطق فلسفية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تسعة أبحاث منطق فلسفية

تسعة أبحاث منطق فلسفية

كتاب " تسعة أبحاث منطق فلسفية " ، تأليف ويلارد كواين ترجمه إلى العربية نجيب الحصادي ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 6

سأحاول الإحجام عن استخدامها ثانية. تبقى معنا كلمة "يكون". لقد أمضينا وقتا أطول مما يجب مع معاني المفردات. دعونا نعد إلى أنطولوجيا وايمان.

بطرق كثيرة، يعد عالم وايمان المكتظ عالما بشعا. إنه يزعج الحس الجمالي فينا، نحن الذين تستهوينا الفضاءات. لكن هذا ليس أسوء ما فيه. أحياؤه الرثة مرتع خصب لعناصر مشوشة. اعتبر مثلا الرجل البدين الممكن في ذلك المدخل، واعتبر أيضا الرجل الأصلع الممكن في ذات المكان. هل هما ذات الرجل الممكن أم تراهما رجلين ممكنين؟ كيف يتسنى لنا حسم هذا الأمر؟ كم عدد الرجال الممكنين في ذلك المدخل؟ وكم عدد المتماثلين منهم؟ هل يفوق عدد النحيلين منهم عدد البدناء؟ أم أن التماثل هنا يعني التماهي؟ أم أنه ليس هناك شيئان ممكنان متماثلان؟ وهل هذا يعني استحالة تماثل أي شيئين؟ وأخيرا، هل يعد مفهوم الهوية قابلا للتطبيق على الإمكانات غير المتحققة؟ ولكن أية دلالة ينطوي عليها الحديث عن كينونات لا معنى للحكم بتماهيها مع ذواتها ولا معنى للحكم بتمايز واحدتها عن سائرها؟ إن هذه العناصر معطوبة إلى حد يجعلها غير قابلة للإصلاح. قد يوظف علاج فريجي2للمفاهيم الفردية في بذل بعض الجهود الرامية إلى إعادة تأهيلها، غير أنني أشعر أنه من المفضل أن نقوم بتطهير أحياء وايمان الرثة والخلاص منها نهائيا.

الإمكان، صحبة مفاهيم موجهة أخرى من قبيل الضرورة والاستحالة والعارضية، تثير إشكاليات لا نقصد تضمين وجوب إغفالها. بيد أننا نستطيع على أقل تقدير قصر الموجهات على جمل بأسرها. لنا أن نطبق كلمة "بالإمكان" على جمل كاملة، وأن نعنى بطرح تحليل دلالي لمثل هذا الاستخدام. لن يمكننا هذا التحليل من قطع شوط طويل شطر بسط عالمنا بحيث يشتمل على ما يسمى بالكينونات الممكنة. أحسب أن الدافع الأساسي للقيام بهذا البسط إنما يكمن في الفكرة القديمة التي تقر مثلا وجوب كون بيجاسوس حتى يكون ثمة معنى حتى لإقرار أنه لا يكون.

على ذلك، يبدو أنه سوف يُبدد كل هذا الترف الوفير الذي ينطوي عليه عالم إمكانات وايمان حين نحدث تغييرا طفيفا في الإمكانات، وعوضا عن التحدث عن بيجاسوس نشرع في الحديث عن قبة كلية باركلي الدائرية المربعة. إذا كان احتياز إقرار عدم كون بيجاسوس على معنى يرتهن بكونه، سوف يرتهن احتياز إقرار عدم كون قبة كلية باركلي الدائرية المربعة بكونها. غير أننا خلافا لحالة بيجاسوس لا نستطيع قبول قبة كلية باركلي الدائرية المربعة حتى بوصفها إمكانا غير متحقق. هل نستطيع الآن إرغام وايمان على قبول الإحالات غير متحققة؟ إذا صح هذا، ثمة عدد كبير من الأسئلة المحرجة التي يمكن إثارتها بخصوص تلك الإحالات. قد نؤمل حتى في إيقاعه في شرك التناقض، وذلك بجعله يسلم بأن بعضا من تلك الكينونات تعد في آن دائرية ومربعة. غير أن وايمان المراوغ يفضل القرن الآخر من المعضلة، فهو يقر أنه لا معنى لإنكار كون قبة كلية باركلي الدائرية المربعة. إنه يقول إن العبارة " قبة دائرية مربعة" يعوزها المعنى تماما.

لم يكن وايمان أول من ارتأى هذا البديل. المذهب القائل بخلو التناقضات من المعنى يرجع إلى عصور أقدم عهدا. أيضا فإن هذا الموروث يظل بيّنا في أعمال كتاب لا يشاركون وايمان أيا من دوافعه. على ذلك، فإنني أرتاب فيما إذا كانت فتنة هذا المذهب البادية لم تشكل أساسا الدافع الذي لاحظناه عند وايمان. الراهن أن هذا المذهب لا يحتاز على فتنة كامنة وقد أفضى بأشياعه إلى اتخاذ مواقف متطرفة من قبيل تحدي نهج الإثبات عبر برهان الخلف، وهو تحد أستشعر فيه برهان خلف ضد المذهب نفسه.

فضلا عن ذلك، فإن القول بخلو التناقضات من المعنى يعاني من قصور منهجي؛ إنه يحول من حيث المبدأ دون تشكيل وسيلة فعالة للتمييز بين ما يحتاز على معنى وما يعوزه المعنى. لن يكون بمقدورنا إطلاقا تشكيل مناهج منتظمة للبت في احتياز متتابعة من الألفاظ على دلالة، حتى على المستوى الفردي، ناهيك عن المستوى الجمعي. ذلك أنه يلزم عن اكتشاف في المنطق الرياضي، يعزى فضله إلى تشرش3، أنه ليس هناك اختبار للتناقض يمكن تطبيقه بوجه عام.

لقد تحدثت بطريقة استخفت من لحية أفلاطون، حين ألمحت إلى خشونتها، كما أسهبت في المضايقات الناجمة عن الصبر عليها. غير أن الأوان قد أزف لاتخاذ بعض الخطوات.

في نظرية فيما يسمى بالأوصاف الفردية، بيّن رسل كيف يتسنى لنا استخدام ما يبدو أسماء دون افتراض وجود الكينونات التي يُزعم تسميتها. الأسماء التي تنطبق عليها نظرية رسل مباشرة أسماء وصفية مركبة من قبيل "مؤلف ويفرلي"، "الملك الحالي لفرنسا"، " قبة كلية باركلي الدائرية المربعة". يقوم رسل بتحليل مثل هذه العبارات بطريقة منتظمة بوصفها أجزاء من الجمل الكاملة التي ترد فيها. مثال ذلك أنه يفسر الجملة "كان مؤلف ويفرلي شاعرا" بأسرها على اعتبار أنها تعني "شخص ما (والأفضل: شيء ما) كتب ويفرلي، وكان شاعرا، ولا شيء آخر كتب ويفرلي." (المراد من العبارة الإضافية توكيد التفرد المتضمن في التعريف بالإضافة4الوارد في "مؤلف ويفرلي".) أما الجملة " قبة كلية باركلي الدائرية المربعة قرنفلية" فتفسر على النحو التالي: "ثمة شيء يتصف بأنه مربع، دائري، وقبة في كلية باركلي."5

يتميز هذا التحليل بأن ما يبدو اسما، العبارة الوصفية، يعاد صياغته في السياق بوصفه رمزا ناقصا. ليس ثمة تعبير يطرح باعتباره تحليلا للعبارة الوصفية، رغم أن الجملة ككل، الجملة التي تشكل سياق العبارة، تظل تحصل على نصيب كامل من المعنى ـ بصرف النظر عن صدقها أو بطلانها.

تشتمل الجملة غير المحللة "كان مؤلف ويفرلي شاعرا" على العبارة "مؤلف ويفرلي" التي يخطئ ماكس ووايمان حين يفترضان ارتهان احتيازها على معنى بقيام مشار إليه موضوعي. في المقابل، نجد أنه في تحليل رسل، الذي يقر "شخص ما كتب ويفرلي، وكان شاعرا، ولا شيء آخر كتب ويفرلي"، يحال عبء الإشارة الموضوعية الذي سلف أن حملت به العبارة الوصفية إلى ألفاظ من القبيل الذي يسميه المناطقة بالمتغيرات المقيدة، متغيرات التكميم، أي عبارات من قبيل "شيء ما"، "لا شيء"، "كل شيء". إن هذه الألفاظ، التي هي أبعد ما تكون عن الزعم بأنها أسماء خاصة بمؤلف ويفرلي، لا تدعي أصلا أن تكون أسماء. إنها تشير إلى الكينونات بوجه عام، وهي تنطوي على غموض مقصود يميزها6. وبطبيعة الحال، فإن هذه الألفاظ التكميمية أو المتغيرات المقيدة تشكل جزءا أساسيا من اللغة، كما أن احتيازها على معنى ليس عرضة للارتياب، في السياق المعني على أقل تقدير. بيد أن احتيازها على معنى لا يفترض بحال وجود مؤلف لويفرلي أو قبة باركلي الدائرية المربعة، ولا أية أشياء سبق تحديدها على نحو خاص.

الصفحات