كتاب " الخطاب الديني في أهل الكتاب " ، تأليف قاسم أحمد عقلان ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الخطاب الديني في أهل الكتاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

الخطاب الديني في أهل الكتاب
• دلالة الآيات على معانيها:
1) تدل الآية صراحة أن الدين الذي شرعه الحق سبحانه وتعالى ووصى به أنبياءه ورسله, وهم نوح, ثم رسوله الخاتم محمد, ومن قبله الخليل إبراهيم, ثم رسوله موسى، وعيسى صلى الله وسلم على رسله أجمعين؛ دين واحد غير مختلف في ماهيته التصورية الكلية الذهنية الكتابية في الأوراق والألواح، فكل ذلك وصايا ربانية وتعليمات وإرشادات للعباد، في جميع الأزمنة، والبقاع، والمتعلقات, فلا يجوز أبداً الإختلاف والتفرق في فهم ما دلّت عليه وأرشدت إليه, وحكمت وقضت به البتة، إذ هي وصايا وأحكام وتكاليف عامة في جميع المكلفين، لا يختلف مفهومها ومعناها من قوم إلى قوم؛ مهما اختلفت ألسنتهم وفهومهم وثقافاتهم, وتنوعت واختلفت أزمنتهم، وتباعدت أماكنهم حتى منتهى الزمان، لأن القصد من ذلك المنزل التعريف بالإله المعبود, وبالدور التكليفي العام للعباد في دار الإبتلاء والعمل, وكيفية قيام الناس بجلب وحفظ ورعاية مصالح أبدانهم، وعقولهم، وأعراضهم، ودينهم، وأموالهم, أو برعاية مصالح الدنيا والآخرة عموماً.
2) كما تفيد الآية صراحة عموم النهي عن التفرق والإختلاف في دين الله الواحد الكل، الذي لا يصح أبداً أن يقطع وأن يجزئ ويُبعّض ويقسم كونه كلاً، ومدلوله كل, ويدل معناه على أمور ومعانٍ كلية تشترك كلها في ذلك المفهوم ؛ الدين الكل, ويسمى كل فرد وجزءٍ منها ديناً, فمثلاً يطلق على الإيمان بالله ديناً, وعلى الإيمان بملائكته, أو كتبه, أو رسله وما أشبه ذلك ديناً، فجميع تلك الأسماء أجزاء تدخل في أصل ماهية اسم الدين العام الكلي قطعاً, ويطلق على كل فرد منها دين وإيمان, لأن كل فرد منها كلية عامة, يدخل فيها مفردات وجزئيآت غير متناهية لكثرتها وتعددها وتنوعها, كما تدل هذه الآية بمفهوم الموافقة أن ماهية أصل الدين واحد غير متعدد ولا مختلف قطعاً, لأن النهي عن التفرق في الدين بيان لحقيقة ذلك الذي لا يقبل في أصل وجوده الذهني العقدي القلبي؛ الإختلاف فيه عند التحقق به عملياً والقيام به تكليفاً في واقع حياة المخاطبين به كافة، وأدائه في جميع أجزاء زمان أدائه، فالنهي هنا يقتضي الأمر بضده, وهو وجوب وحدة الدين مصدراً، والعمل به كدين واحد للكل هو وسيلة وسبب لتوحيد الخالق والإله المعبود، وعدم إشراك غيره في عبادته وتوحيده, أو جعله سبباً للتفرق، بل سبباً للتوحد والدخول في جميع أسباب الوحدة الإنسانية لكافة بني الإنسان, ويدل بمفهم المخالفة, أن كل دين أضافه الناس إلى الله تعالى ويكون سبباً للإختلاف والتفرق الديني ؛ فإنه ليس من الدين الحق في شيء، بل هو دين فاسد باطل ليس له أصل صحيح، ويجب تركه والتبرؤ منه وبيان بطلانه وفساده للناس, فهو خطاب يدل بدلالة الإلتزام أن كل ما أضيف ونسب إلى دين الله تعالى رواية وسماعاً أو فهماً واستنباطاً, وهو يؤدي إلى التفرق في الدين والإختلاف بين العباد ؛ فليس من الدين في شيء، بل يضاده ويعارض دين الحق المنزل من عنده على جميع أنبيائه ورسله، منذ نوح عليه الصلاة والسلام وحتى محمد عليه الصلاة والسلام, ويجب بيان وتقرير فساده وبطلانه بكل دليل، وبرهان، وحجة.
- ولما كان مفهوم اسم الدين عند إطلاقه يدل على مسمى عام يشمل التكاليف الإيمانية العقدية والتكاليف الشرعية العملية العامة, فيكون اسماً للدين وللإسلام, إذا صح إطلاق اسم الدين ليدل على مفهوم أعمّ من اسم الإسلام, فيكون الأخص داخل في مفهوم مسمى الأعم, من باب دخول الجزء في الكل ودلالة الكل على الجزء, كما يصح أن يطلق اسم الإسلام الدال على مفهوم أخص من الدين, كون الدين اسم وضع لمسمى الإيمان العقدي القلبي، ولمسمى الأعمال والتكاليف الشرعية العملية والحكمية, ويكون اسم الإسلام دال على اسم الإيمان، كدلالة الجزء على الكل بعكس الأول، كما تبيّن، فيدخل الكل في الجزء، كما يصح أن يكون اسم الإسلام أعمّ، واسم الإيمان أخص، باعتبار أن التكاليف العملية تعتبر من ملزومات ومقتضيات التكاليف الإيمانية القلبية الدينية؛ فلا يصح إطلاق اسم الملزوم دون أن يكون وجود لازمه ثابت وجوده ومتحقق, فاللازم هو اسم الإيمان، والملزوم هو اسم الإسلام, فإطلاق اسم الملزوم يتضمن قطعاً اسم اللازم، كما أن إطلاق اسم اللازم لا يوجب وجوده وجوب لوازمه, فقد يوجد الإيمان ولا يوجد ملزومه الإسلام, فليتأمل هذا الضابط الذي يفرق به بين الإسمين، ووجود الإتفاق والإفتراق بينهما, فالإسلام اسم وضع ليدل على معنى الإستسلام, أي استسلام المكلف في جوارحه الظاهرة لربه سبحانه وتعالى، أما اسم الإيمان فوضع لمعنى الإعتقاد والتصديق القلبي, فهذا هو الفرق بين مفهوم ماهية كل منهما, وبذلك تحقق التمييز والفصل بين مدلول الإسمين.
3) كما تدل الآية صراحة أن الله تعالى هو الذي يختار ويصطفي لحمل دينه وفهمه والتحقق به من شاء وأراد، وليس ذلك الأمر في متناول قدرة العباد, فهو أمر خص به نفسه دون سائر خلقه, وأن تلك القضية هي التي سببت للمشركين به الإستكبار والإعراض، والجحود، والعناد, والتكذيب، والإيذاء لرسل الله تعالى, وجميع أوليائه العارفين المجتبين له تعالى، وذلك لما ينشأ من الإصطفاء والإجتباء من الرئاسة والشرف والفضل والمزيّة الدينية, ولما كان المشركون غير متحققين بالإيمان بالله تعالى وغير مسلمين ومستسلمين له, وموحدين إياه, وإنما مختلفين متفرقين، كل فريق منهم له حزب وجماعة وطائفة تراد وتقصد بالدين, لتحصيل مصالح الرئاسة الدينية، بتلك الوسائل والأسباب, أو الأنداد والأصنام عموماً, أياً كانت ماهيتها؛ فإن كل مشرك بالله تعالى يكبر عنده ويعظم أمر الدين الواحد، الذي يبتلي به عباده حين يصطفي ويجتبي ويهدي من بين عباده من يشاء من ذوي اللب, ويجعله في موقع الإمامة والهداية والنذارة العامة في قوم مخصوصين، وفي زمان ومكان معلوم، فيكون ذلك سبب وعلّة استكبارهم على رسله الله وأنبيائه، وأوليائه.
4) كما تدل الآية صراحة أن افتراق الناس إنما يحدث بعد أن يوجد ويثبت لديهم ماهية الدين الحق, ويعلمون بيقين ذلك, ويظهر الله لهم آياته وبيناته من خلال من اصطفاه واجتباه من رسله, أو أنبيائه, أو أوليائه العلماء الراسخين في علم وراثة الكتاب والنبوة عموماً, فإذا تحقق كل ذلك؛ اختلف الناس وتفرقوا ؛ لتلك الأسباب, والتي ترجع كلها إلى مزيّة وشرف الرئاسة الدينية، التي جعلها الله تعالى في البعض منهم، وبحسب اختياره هو وليس اختيارهم هم أنفسهم قطعاً, لذلك يقول سبحانه وتعالى مقرراً ما في نفوسهم: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ(21, فمصالح أبدانهم, مقسومة بينهم, أما مصالح دينهم وعقولهم وقلوبهم, فيوفق لها من شاء, ويهدي إليه وإلى معرفته من أراد منهم, فهي ليست مثل مصالح المعاش ومنافع الأبدان, يتساوى الجميع في تحصيلها, لأن الدين وسيلة للتعريف به, والقرب منه، والوصول إليه، ومجاورته، ونيل محبته ورضوانه, وهذه مزايا يخص بها من شاء منهم, وأن سبب التفرق والمعارضة هو البغي وتجاوز الحق وعدم القبول والرضا والتسليم لاختيار الله وقسمته فيهم معايشهم, وإدخال من هو أهل منهم لنيل كرامة دينه وهدايته وولايته, وأن أسباب التفرق والإختلاف والتحزب مطلقاً, في جميع الملل والأمم والأزمنة والبقاع, راجع إلى تلك القضية وإلى الأسباب التي تنشأ بعد ذلك عنها قطعاً, فكل من كان صاحب شهوة في الرئاسة الدينية وهوى فاسد, جعل لنفسه سبباً ليحصل به ويحقق لنفسه ما يتطلع إليه بشهوته, ويميل إليه بهواه, فهذا السامري آذاه ما شاهده من رئاسة رسول الله موسى عليه الصلاة والسلام, فصنع لنفسه عجلاً له خوار, دعا الناس لعبادته وجعله إلهاً كإله موسى عليه الصلاة والسلام, كون ذلك العجل هو الذي أوجده وصنعه وكوّنه، كما في الآية، وكذلك الطاغية فرعون نصب نفسه إلهاً، وقارون اتخذ ماله وكنوزه وسيلة لتألهه، وكذلك هو حال كل صاحب شهوة في الرئاسة الدينية, يصنع وينشئ لنفسه من الأسباب والموجودات عموماً, ما تكون وسيلة لتعظيمه وطاعته ومتابعته وموالاته في كل ما يتعلق بقضية الدين والتدين، أو في بعض متعلقاته فقط, وأن كل ما حدث من وجود جماعات وفرق وطوائف دينية في كل الأمم والأزمنة حتى اليوم كان القصد منها نيل صاحبها ومؤسسها وأميرها الرئاسة الدينية, وتحصيل ما يتصل بها وينشأ عنها من مزايا وألقاب وحب وولاء وسمع وطاعة، وترويج ومدح وثناء، وقيام بجلب مصالح بدنه, لأن مصالح الدين غير مرادة وغير مقصودة قطعاً، ولهذا سماهم الله مشركين لذلك السبب والقصد الفاسد الباطل، وعواقبه في هدم الدين ومرجه على الناس، وصدهم عن سبيل الله المستقيم, حينما اتخذوا الدين وسيلة لتأليه نفوسهم، كي يحققوا به إشباع شهواتهم وأهوائهم، وليس التقرب به إلى ربهم والتعرف عليه, ونيل القرب منه، والزلفى لديه، والدلالة عليه, وإنما الدلالة على نفوسهم بالدين المزيف الفاسد الباطل، بغياً وعدواناً على حق الله تعالى في التفضيل، والتشريف، والتكريم، والهداية، والإجتباء, ظناً منهم أن الدين مثل منافع المعاش يجب تقسيمه بينهم بحسب مقام وحال ومكانة كل منهم، فصاروا بذلك بغاة مفسدين ومشركين لتدينهم الفاسد الباطل، الغير مناسب ومستقيم بيقين, فهو عمل ضد حق الله في الإرادة والإختيار والإجتباء لمن شاء منهم أن يجعله له ولياً، ومحبوباً، ومراداً، ومطلوباً، ومقرباً، عنده, وتدخل في أخص خصائص ألوهيته وربوبيته، قطعاً.
5) قال تعالى: (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ(22.