كتاب " الخطاب الديني في أهل الكتاب " ، تأليف قاسم أحمد عقلان ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الخطاب الديني في أهل الكتاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الخطاب الديني في أهل الكتاب
- إن النهي عن فعل الموالأة معلّلّ, يتعين الإمتثال بالترك، في كل مؤمن خاف على إيمانه أن يفسد, إن والى خصوص عين حال أفراد غير مؤمنين بالله تعالى, حيث أنهم يروّجون للشبه التي تشكك المؤمن بربه ونحو ذلك, فمن غلب على ظنه أنه إن والاهم, وقع في أسباب الشك والإرتياب؛ وجب في حقه ترك الموالأة, ومن أَمِنَ على إيمانه عدم حصول الشك والريب إن هو والاهم لمصالح معتبرة مقصودة مطلوبة شرعاً؛ فلا يدخل في عموم النهي الديني قطعاً, بناءً على أن القاعدة العامة: [يقدم حفظ الدين على حفظ ما عداه من المصالح], إلا عند جلب مصالح الضرورات العامة فتتغير هذه القاعدة، ويصير حفظ النفوس مقدم, لأن النفوس هي موضع ومحل ووعاء خطاب الدين والشريعة، ويتعين حفظها, ليحفظ الدين ويتحقق وجوده وثبوته في واقع حياة المكلفين, وقد بينّا في بحث وفقرة مستقلة دلالة الخطاب القرآني في الجهاد والقتال، والحروب والملاحم، والذم، والتكفير، والتأثيم, والموالأة، والمعادأة, ونحو ذلك وأن جميع تلك الأخبار يدخل فيها النسخ والرفع, والإستبدال, وخاصة إذا تحقق دخول المرحلة الزمنية الأخيرة, مرحلة وجوب دخول كافة الناس في السلم, فيصير ذلك النوع من الخطاب منسوخاً حكماً، وباقٍ لفظاً ورسماً، ومنه الآية السابقة بيقين.
• قاعدة: عدم العلّة؛ علة لعدم المعلول, فعدم الإسكار علّة لعدم التحريم, وعدم الكفر علّة لعدم إهدار الدماء ورفع العصمة عن الدماء، والأعراض، والأموال, وعدم الإسلام علّة لعدم العصمة بالإسلام, وما أشبه ذلك26.
• قاعدة: إن ترتيب الحكم على الوصف؛ يقتضي أن يترتب عليه ذلك الوصف لذلك الحكم, نحو ارجموا الزاني, واقطعوا يد السارق، وما أشبه ذلك27.
• قاعدة: إذا اختلفت العوائد في الأمصار, والأعصار؛ وجب اختلاف الأحكام، فإن كل حكم مبني على عادة؛ إذا تغيرت العادة؛ تغير الحكم28.
- بيان مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب, فأجلى يهود خيبر)29.
• بيان دلالة الحديث: (لا يتوارث أهل ملتين)30.ذ
• ماتت يهوديه أو نصرانية في خلافة عمر فسئل عمن يرثها فقال: (يرثها أهل دينها)31.
• يدل الحديث صراحة أن رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بعث بدين وشرعة فيها عموم وخصوص مع ما أنزل الله على أهل الكتاب من الدين والشرعة, وأن الله قضى أن تبقى جزيرة العرب, وهي أم القرى وما حولهاعلى دين وشرعة واحدة، هو المنزل على الرسول العربي الأمي محمد عليه الصلاة والسلام، كما قضى أن تكون بيت المقدس وما حولها أرض مباركة ومقدسة وسكن لأهل الكتاب، اليهود قطعاً حتى آخر الأزمنة, قال تعالى: ( فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ً)، كما تقرر في مواضع متفرقة من البحث، ومن بحث أشراط الساعة.
• يدل قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يجتمع دينان), بصريح اللفظ ودلالة المطابقة, أن الدين عند الله تعالى ليس ديناً واحداً، بل أديان عدة؛ فهناك دين لليهود, ودين للنصارى, ودين للصابئة, ودين لمحمد عليه الصلاة والسلام خاتم المرسلين، كما يدل أن كل هذه الأديان, أديان صحيحة غالباً, بحسب تنزلها على رسل الله تعالى، ونفي الرسول عليه الصلاة والسلام اجتماع تلك الأديان كلها أو بعضها في جزيرة العرب, لا يدل على فسادها، وإنما يتوجه النهي في الحديث إلى عدم صلاحية بلاد جزيرة العرب بما فيها أم القرى, مكة المكرمة, لأن يكون فيها دينان فأكثر, كون وجود أكثر من دين إلهي في أرض وبلاد العرب الواحدة الغير متعددة، سبب للإختلاف والتفرق والإقتتال الديني, والتنازع في المناسك، والمقدسات, والأعمال والشعائر العبادية, كالحج والعمرة, والإتجاه في الصلوات, ونحو ذلك مما اختلف ماهيته عند أتباع موسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم، وجعله الشارع الحكيم خاصاً وليس عاماً، كما تبيّن في موضعه من هذا البحث.
• فقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يجتمع دينان), أي لا يصلح بحال من الأحوال اجتماع دينين فأكثر في بلاد العرب, وإنما يصلح أن يكون فيها دين واحد وأمة واحدة, كما دعا إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام ربهما، وهما يبنيان الكعبة المشرفة، أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له تعالى, والأمة تعني الجماعة الواحدة, والدين والشرعة الواحدة الغير متعدد ة , ويدل بمفهوم الموافقة جواز أن يوجد أفراد يدينون بغير دين محمد عليه الصلاة والسلام في بلاد العرب, فالنهي إنما يعني أن يوجد دينان رسميّان وأمتان مختلفتان, متساويتان في قوتهما وسلطانهما، أما الوجود الفردي فلا يدخل في عموم النهي قطعاً, لأن ذلك لا يكون سبباً للإختلاف والتفرق والتنازع في القرار والولاء, والحكم والسلطة, وفي المناسك والشعائر التعبدية, وما أشبه ذلك, ويدل على هذا المفهوم إجلاء الرسول عليه الصلاة والسلام يهود خيبر من المدينة المنورة إلى الأرض المقدسة، لأن الشام أرض صالحة لأن يجتمع فيها أكثر من دين إلهي, فهي بلاد مقدسة كتبها الله تعالى لبني إسرائيل حتى المنتهى، كما كتب أم القرى ومن حولها بلاداً لأتباع رسوله الخاتم العربي محمد عليه الصلاة والسلام، حتى المنتهى، ويقاس عليه كل بلد كان دين أهله على أساس ملّة إلهية من الملل الثلاث، منذ بعثة رسل الله عليهم الصلاة والسلام فيهم حتى اليوم، فإجلاء يهود خيبر سببه أنهم كانوا قوّة فاعلة مؤثرة في القرار لا يمكن تجاوزهم قطعاً, وذلك سبب للإختلاف والتفرق الديني والإجتماعي, وسبب لا يمكن تجاوزه في إشراكهم في المجتمع والأمة الجديدة والدولة الوليدة، على أرض المدينة وعموم بلاد جزيرة العرب, فرد النبي عليه الصلاة والسلام الأشياء إلى أصولها، فالأصل أن السكن والمكان الصالح لليهود هي بلاد الأرض المقدسة وما حولها ،كما في الآيات القرآنية, كما أن الأرض المقدسة لأمته هي أم القرى وما حولها قطعاً, فإجلاء رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام يهود خيبر وغيرهم من المدينة المنورة وما حولها لم يكن سببه كفرهم بالله تعالى وبرسوله الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام، وما أنزل الله إليه من الكتاب، وإنكار الدين والشرعة الذي عليه أهل الكتاب قطعاً, وإنما لدرء فتنة التنازع في القيادة الدينية مطلقاً كما سبق, ولو كان الهدف ذلك لما قال عليه الصلاة والسلام: (دينان)، لأن ذكر دين آخر غير دينه عليه الصلاة والسلام الخاص به وبأمته, يدل على الإشتراك في المعنى والوصف واللقب, فلليهود دينهم, وللنصارى دينهم الخاص بهم فقط، والعام لكل المؤمنين قطعاً, ولو كان دين غيره فاسداً, ما أطلق عليه اسم الدين, ولما صحّ أن يوصف دين أهل الكتاب بالدين, فإطلاق الاسم واللقب: (الدين) على بعض ما عند أهل الكتاب يقتضي إثبات معنى الاسم واللقب والوصف, وقد علم وفهم أنه عليه الصلاة والسلام بعث مصدقاً لما معهم من الدين والشرعة، ومبشراً، ومنذراً، وهادياً، ومعلماً، ومرشداً لمن ليس على دين إلهي، وكذلك كان بعض اليهود في المدينة كفاراً غير مؤمنين بالله تعالى.
• وإن عدم اجتماع دينين في بلاد العرب؛ علّة لعدم النهي عن وجود دين غير دين محمد عليه الصلاة والسلام في بلاد جزيرة العرب، في حالة عدم الإجتماع، وإنما أفراد فقط, يجوز أن يوجد في بلاد جزيرة العرب دين إلهي غير دين محمد عليه الصلاة والسلام, على مستوى أفراد وليس جماعة وأمة قوية، يكون وجودها سبباً للتنازع في الرئاسة، وللفساد الديني، والدنيوي، مطلقاً.