كتاب " بدرية " ، تأليف وليد الرجيب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب بدرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بدرية
مقدمة الطبعة الثالثة
أنا وبدرية
لا أعلم ما قصة بدرية معي بالضبط، وما علاقتها بصيرورة حياتي، قد يكون الأمر متعلقاً بحولي، هذا المكان الساحر والفاتن، حولي مهد الطفولة والاكتشاف المدهش، وتفتق الوعي على الثقافة والشعر والموسيقى، حولي التي استضافت شجر السدر، وسيول المطر، وطيور الربيع السعيدة، وكل قصائد الحب التي بدأت من هناك.
كان العام 1986م، وكنت مسؤولاً عن الصفحة الثقافية في مجلة العامل، التي يصدرها الاتحاد العام لعمال الكويت، وفي تلك الفترة بالذات، حل مجلس الأمة الكويتي، وعلق العمل بالدستور، ووجدت نفسي أصيغ ردة فعلي بطريقة غريبة، إذ بدأت بكتابة بدرية، وبدأت أنشرها على حلقات في مجلة العامل، لم أكن أعرف ماذا سأكتب في الحلقة القادمة، ولكن النوستالجيا كانت تتدفق كسيول مطر حولي، وكأني كنت أكتب سيرة غضبي، وألمي لفقد حولي، أو فقد الكويت لا فرق، كنت أرى الكويت طفلة يتيمة الأبوين، تخليا عنها عندما بدأت تتفتح، لكن الناس الطيبين، الذين كنت أرى نماذجهم في حولي، احتضنوا بدرية، واعتبروا أنفسهم أهلها، كانت ابنتهم جميعاً، وخصوصاً العامل فلاح، وتلميذه الشاب فهد.
ولدهشتي أن عمال النفط، كانوا يتهافتون على المجلة ليتابعوا حلقات بدرية، وقال لي أحدهم: «عندما تصل رزم مجلة العامل، كنا نتخاطفها، ونترك العمل في أبراج انتاج النفط، ونستند بظهورنا إلى الآلات، ونقرأ حلقة بدرية متمنين إلا تنتهي، ونشعر بانتماء غريب لها»، وكانوا يتصلون بي ليسألوا: «ماذا سيحدث لبدرية في الحلقة القادمة»، فأجيبهم: «خلوها مفاجأة»، رغم أني لم أكن وقتها أعرف ماذا سأكتب في الحلقة القادمة.
وكان من أشد المتابعين لحلقات بدرية، القائد العمالي الوطني التقدمي، رئيس الاتحاد العام لعمال الكويت، المناضل المرحوم ناصر الفرج، وكان يجلس معي بعد قراءته لكل حلقة، يناقشني ويتحدث معي بشأن الثقافة والأدب والمسرح في الكويت، لكن بعد رحلته للعلاج في الخارج، استدعاني أحد القادة النقابيين، وعنفني على ما نشرته من حلقات، وأمر مدير التحرير بإيقاف نشر حلقات بدرية، فتوقفت عن الكتابة حتى عام 1989م، إذ كان المحرك لي والمحفز، هم العمال أنفسهم، وفي نفس هذا العام، أنهيت كتابة الرواية.
ولكن بعكس ردة فعل العمال، استقبل بعض الكتاب والنقاد والمثقفين، مخطوطة بدرية بالاستخفاف والاستصغار، وبأستذة متعالية، بل إن أحد النقاد قال لي بالحرف الواحد: «ارميها بالزبالة»، والبعض قال إنها ساذجة، والبعض قال: «جهد ضائع»، لكنها محاولة أولية، وكان الأجدى بالكاتب الالتزام بكتابة القصة القصيرة، التي نجح بها، والبعض قال لغتها بدائية.
لكني كنت مؤمناً ببدرية، إيماني بقدرة وطني على تجاوز محنته، فأعطيتها للأستاذ حسام بو مجاهد، مدير دار الفارابي بذلك الوقت، واقترضت من البنك تكاليف طباعتها، وانتظرت صدورها بصبر فارغ، وصدرت في العام 1989م، وشحنتها الدار لي جواً.
وفي أحد الصباحات فوجئت بمكالمة من رقابة وزارة الإعلام في مطار الكويت، وطلبوا مني مراجعتهم، وبالفعل ذهبت وقابلني موظف بالإعلام، مكلف بمراقبة المطبوعات القادمة من خارج الكويت، وخاصة في ظل تعطيل الدستور، وسن قوانين الرقابة المسبقة والمهينة، على الصحف والمطبوعات، وقانون حظر التجمعات، وغيرها من القوانين المقيدة للحريات، كان انقلاباً كارثياً على الدستور، والديموقراطية في الكويت.
وحقق معي الرقيب، وسألني أسئلة غريبة، مثل: «من تقصد بهذه الشخصية»؟ و«من هي بدرية»؟ و«ماذا قصدت في هذه الجملة»؟ ورغم أنه لم يكن من حق أو اختصاص الرقيب سؤالي، أو التحقيق معي إلا أني كنت أجيب بأن هذه رواية، أي خيال، هذا عمل إبداعي، وليس منشوراً سياسياً، لكنه طلب إحالة الكتاب إلى وزارة الإعلام، وهناك تم استدعائي من موظف قيادي، وتم التحقيق معي وتعنيفي بشدة، قائلاً في معرض صراخه علي: «نحن نعلم نواياك، ونعرف قصدك وأهدافك»، لم يسمح لي بالجلوس، فظللت واقفاً، ولم يسمح لي بشرح ماذا يعني الأدب، وكنت لا أعلم هل أنا في وزارة إعلام، أم في أمن الدولة.
ثم حولني إلى موظف أقل منه رتبة، وأبلغني أن الرواية ممنوعة من دخول الكويت، فسألت: «هل من الممكن أن أعرف سبب المنع»؟ فقال لي: «ممنوعة لأنها ضد المصلحة العامة»، فسألت: «هل لي أن أعرف ما هي المصلحة العامة، حتى لا أكرر خطأي»؟ قال: «نحن أدرى بالمصلحة العامة»، فطلبت كتاباً رسمياً بالمنع، فرفض إعطائي مثل هذا الكتاب، وطلب أن أعيد شحنة الرواية على حسابي الخاص، إلى أي جهة أرغب، فأرسلت جزءاً من الشحنة إلى الصديق الشاعر البحريني أحمد الشملان، وجزءاً آخر إلى الصديقين المصريين محمد الجندي ومحمود أمين العالم، صاحبَيْ دار الثقافة الجديدة.
وما هي إلا أيام، حتى انتشر خبر المنع، ولأن كل ممنوع مرغوب، بدأت عمليات تهريب الرواية، من البحرين والقاهرة ولندن وبيروت، ثم قام الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، بتصويرها «فوتوكوبي»، فنسخت آلاف النسخ وزعت على الطلبة وأساتذة الجامعة، كما قام بعض موظفي الدولة وعمال النفط بتصويرها وتوزيعها بشكل واسع، ودرست لطلبة الأدب في جامعة الكويت، وأصبحت بدرية حديث الناس، ووصلتني رسائل من قراء عرب، يشيدون ببدرية، واتصل بي العديد من الكويتيين يشيدون بالرواية، وبعضهم قال ابكيتنا وحمستنا، وجعلت الدم يفور في عروقنا.