قراءة كتاب بدرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بدرية

بدرية

كتاب " بدرية " ، تأليف وليد الرجيب ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

وما إن يبتعد باقي القطيع، ويترسب الغبار المثار حتى نتجه إلى آثار أظلافها، فنضع إبهامنا في أفواهنا، ونضع أصغر أصبع على أثر أظلافها ونمتص، ثم نقسم بأن هذا أثر ظلف عنزة، وأن بها حليباً أكثر من غيرها، وأحيانا نتفل ونقول: « تف.. تيس، تيس» وبعد فترة من اللعب نلتفت إلى بعضنا: «شبعنا»، ثم نلعب لعبة عنيفة بانتظار أن تطل أمهاتنا وتناديننا للعشاء المكون من خبز ولبن رائب وتمر، ولا نكف عن اللعب خاصة عندما ينهض آباؤنا، إذ نمسك بنواة التمر، ونضع عليها عقدة النواة فتصبح كأنها رجل يلبس قبعة ونغني:

ـ «عنجريزي بوتيلة.. عساه يموت الليلة»..

علمتنا بدرية هذه اللعبة، كما علمتنا جميع الألعاب، وعندما سألناها:

ـ لماذا نتمنى أن يموت «العنجريزي»؟!.

قالت وهي ترسم على الرمل عروساً وعريساً:

ـ فهد شاهدهم في المكان الذي يعمل به.. يقول إن وجوههم حمراء، وعيونهم خضراء وشعرهم أصفر، ويمسكون عصي خيزرانية بأيديهم، وإنهم أتوا من مكان بعيد.. أبعد من الأماكن التي يسافر إليها أهلنا، ومع ذلك فهم يأمرون وينهون.

خربت مارسمته ونحن نتابع يديها ثم قالت:

ـ فهد لا يحبهم..وأنا لا أحبهم..

فرحنا نغني ونصفق:

ـ «عنجريزي بوتيلة.. عساه يموت الليلة»..

وبدرية ترقص بمرح بيننا..

هكذا كل ليلة نهرع إلى الحارة بعد العشاء، بانتظار الآخرين الذين يأتون تباعاً، وهم يكملون عشاءهم في الطريق، الذي يكون عادة لفة خبز بتمر، أو لفة خبز بجبن أو بصل، أو لفة خبز بدون شيء، وأحياناً يحملون بضع تمرات في جيوبهم، يتواردون واحداً تلو الآخر بانتظار بدرية التي سوف تعلمنا لعبة جديدة، أو لتحكي لنا حكايات لطيفة.

شهية كالفاكهة بدرية، عذبة الحديث، تظهر على وجنتيها غمازتان عندما تضحك، وعندما تضحك تطير قلوب الصبيان كعصافير الربيع، وتغرق الفتيات بغيرة لا محدودة، ويحاولن أن يفعلن مثلها، فيجدلن شعورهن جديلة واحدة طويلة إذا فعلت ذلك، ويجدلن شعورهن جديلتين طويلتين وينزلن شعورهن على جباههن إذا فعلت بدرية ذلك، ويقلدنها بالحديث، وإذا تحلق الصبيان حول بدرية يجلسن ويرسمن على الرمال، أو يعدن جدل أطراف شعورهن ساهمات غيورات من تفوقها عليهن.

كانت بدرية أكبرنا سناً، مرحة، جريئة، لا نذكر أنها خجلت غيرة مرة واحدة، عندما سألها أحدنا بعد أن لاحظ أن صدرها بدأ يتكور:

ـ «صدرك فيه حليب»؟..

يومها احمر وجهها، وضربت الفتيات أرجلهن على الأرض غيرة، وذهبن إلى بيوتهن مبكرات، وهناك تفحصن صدورهن عندما اختلين إلى أنفسهن.

لم نكن نعرف لبدرية أماً ولا أباً، فنحن نراها في كل البيوت، تتناول الغداء عند أحد البيوت، والعشاء في بيت آخر، وعندما يتأخر الوقت كانت تنام في أقرب بيت، ولما سألنا أهلنا:

ـ ابنة من بدرية؟!..

أجابوا وكأنهم لا يخفون سراً:

ـ ابنتنا جميعاً..

وحذرونا من أن نسألها نفس السؤال:

ـ «يمكن تزعل»..

الصفحات