أنت هنا

قراءة كتاب عين الجوزة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عين الجوزة

عين الجوزة

كتاب " عين الجوزة " ، تأليف د. إبراهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

كان عباس ـ في أحد الأيّام ـ يحفر بئراً في الوعر، وأثناء انهماكه في العمل وصل إلى قربه الحاج سعيد الذي كان يقوم بجولة تفقُّديّة على أملاكه، ومنها هذه القطعة من الأرض التي يحفر فيها بئراً من أجل ريّ مزروعاته، فبادره الحاج قائلاً:

ـ يا عبّاس، بدّك تحفر لي بئرآخر في قطعة المرج حتى نروي المزروعات.

ـ يا حاج، تكرم عيونك.

ردّ الحاج:

ـ وبعدين بدّك تحفر بئر عند ابني .

أجابه عبّاس:

ـ على راسي وعيني.

وتابع:

ـ ياحاج، شو بدّك تدفع لي على البئرين؟

ردّ الحاج بغضب، ونهر فرسه مغادراً، وهو يوجّه كلامه إلى عبّاس:

ـ إنت بتعرف إنك ما بتكون خسران مع الحاج سعيد...

الحاج سعيد من كبار ملّاكي الأرض، فقد كان يملك معظم أراضي الضيعة، وبعض الضيع المجاورة، وأغلب شغل عباس مع الحاج، فهو قد حفر له أكثر من بئر، ومنها بئر السماق، وبئر في قطعة التينات، وبئر أمام البيت، وكانت الآبار التي يحفرها عبّاس لا تقلُّ جودة عن تلك الآبار القديمة الموجودة في الضيعة، والتي لا يُعرف من حفرها.

وكان عبّاس غير راضٍ عن أجرته عن أغلب هذه الآبار التي حفرها في الصخر، وكان هذا الأمر يسبب له الخلاف الدائم مع الحاج سعيد، إضافة إلى تذمّره من معاملة هذا الأخير للفلاحين الذين كانوا يشكون ظلم المعاملة من قبل رجاله، وكان صديقه حمزة يشكي همومه لعباس فيقول:

ـ رجال الحاج سعيد يضطهدون الفلاحين، ويأخذون ثلث محاصيلهم الزراعيّة على الرغم من كدّنا طوال العام في حراثة الأرض، وزراعتها، وتعبنا في تعشيبها، وتسميدها، ومن ثم حصادها، وجمع المحصول، وبعد كل هذا المجهود الذي نقوم به، يأتينا رجال الحاج سعيد إلى البيدر ليأخذوا منّا ثلث المحصول من دون أن يبذلوا أي مجهود..

وتابع:

ـ ياعباس، حرام هالظلم، والله حرام..

كان عباس يمتلئ غيظاً من هذه التصرفات، وأخذت تزداد المناوشات بينه وبين رجال الحاج سعيد الذي يشتغل في أرضه، وكان يقف في وجههم عندما يستبدون بالمزارعين، محاولاً رفع الاستبداد، والظلم عن الفلاحين، والعمّال؛ ومن كثرة مضايقاتهم له هجر الضيعة، والتحق بالجيش العثماني، وفي إحدى حروب هذا الجيش عرّض نفسه للموت عندما أصرّ على إنقاذ أحد الجرحى من خلال حمله على ظهره، وإخراجه من ساحة المعركة، والسير به في الوديان الموحشة، والجبال الشاهقة والوعرة، من دون أن يعرفه، وعندما ابتعد مسافة تزيد على الثلاثين كيلومتراً عن خط النّار، وتأكد من أنه أصبح بمأمن من العدو وضع الجريح على الأرض، وحلّ قربة الماء التي كانت معلّقة على وسطه، وعندما قدّم الماء إلى فم الجريح، صاح :

ـ الله أكبر.. الله أكبر... أنا مش مصدّق شو عم شوف... حمزة!

لم يكن عبّاس يعلم أن من حمله على ظهره كل هذه المسافة، وضحى بنفسه من أجل أن ينقذه، هو ابن بلدته وصديق طفولته حمزة!

اختارعبّاس كهفاً من الكهوف، وحمل حمزة إليه، وقام بإسعافه، ومرَّ وقتٌ غير قصير قبل أن يتعافى فيه هذا الأخير، ويعلم ما جرى له، وكيف أنقذه صديقه عبّاس؟!

ومنذ ذلك الوقت كان حمزة يردد دائماً لصديقه:

ـ يا عباس، جميلك هذا ماراح إنساه كل عمري.

ـ أنا ما عملت إلا واجبي.

ويتابع:

ـ يعني إنت لو كنت مكاني ما كنت عملت مثلي...

يرد حمزة:

ـ أكيد.. أكيد.

عاش الصديقان شهوراً في الكهف، وكانا يقومان بصيد الحيوانات والطيور ليأكلا، ويجلبان الماء من عين جارية كان عبّاس قد اكتشفها أثناء رحلة صيده الأولى، فعاشا على هذا المنوال مدّة من الوقت تأكدا خلالها أن حمزة تخلّص من آلامه، وأن جروحه لم تعد تمنعه من السير مسافات بعيدة، وحينها قررا العودة إلى الضيعة لعل الحرب تكون قد وضعت أوزارها، واستغرقت رحلة عودتهما إلى البلدة حوالى العامين، ووصلا إلى عين الجوزة، وكان الفرنسيون قد دخلوا الضيعة واستقروا في المنطقة، وعاش عبّاس في ضيعته تحت ظل الاحتلال الفرنسي مدّة من الوقت كانت كافية كي يختار زوجة له، ولم يمض على زواجه سنة حتى رُزق بطفل أطلق عليه اسم أبيه محمود.

دخل عبّاس إلى منزله في عصر يوم عمل شاق، وما كاد الليل يخيّم على الضيعة، وإذ بالباب يقرع، ويسمع صوت يردد:

ـ إفتح.. إفتح.. أنا كرار.

ـ الله مع الصابرين!

فتح عباس الباب فوجد صديقه كرار بن ضرغام أمام الباب، فصرخ فرحاً به:

ـ كرار، يا هلا... ياهلا... على الرحب والسعة، تفضل... تفضل.

دخل كرار وهو يقول:

ـ يا هلا بيك.. ياهلا بيك..

كرار هو أحد كبار قبضايات ضيعة «كوكين»، وتربطه صداقة متينة بعباس.

سأله عباس بعد أن جلس، واستراح:

ـ إن شاء الله خير.. إلي زمان ما شفتك.

الصفحات