أنت هنا

قراءة كتاب عين الجوزة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عين الجوزة

عين الجوزة

كتاب " عين الجوزة " ، تأليف د. إبراهيم فضل الله ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4

ـ أنت ضيفي، وأنا لا أقبل أن يهان ضيفي، ولذلك إذا كان الرأي هو مغادرة الضيعة.. نغادرها معاً...

وافقه صديقه حمزة الذي قال:

ـ الآن أصبحنا كلّنا في الهوى سوا، فإمّا أن نغادر الأربعة، وإمّا أن نبقى معاً من أجل الدّفاع عن الضيعة مع من يريد الوقوف معنا...

ردّ المختار:

ـ الحاج حمزة عم يحكي عين العقل.. الحماس قد يدخل النار، ونحن نبتغي الجنة، ولذلك اخرجوا الليلة من الضيعة، وعندما تهدأ الأمور تعودون...

انتهى الاجتماع على هذا الرأي الأخير، وخرج تحت جنح الليل الرجال الأربعة في قافلة من الجياد، والعتاد، والمؤنة، وانطلقوا إلى الجبال الوعرة، ومنها انحدروا نحو الوادي السحيق، ومن ثم صعدوا إلى «جبل الكساير» المشرف على الوادي، ومع السّحَر حلّت رحالهم في إحدى المغاور التي تقع أسفل قمة الجبل بقليل، حيث تستريح، على مقربة منها، إحدى العيون التي يتساقط ماؤها إلى الأسفل على شكل شلال، ومن ثم ينحدر إلى الوادي ليشكل رافداً من روافد النهر الذي يهدر في الشتاء، ويخفت في الصيف، فتنتقع ماؤها في قعر الوادي الذي سمي باسم «وادي النقعة» .

انهمك الرجال في توضيب الحاجيات داخل المغارة التي قسّمت تجاويفها بستائر من الشراشف فيما يشبه الغرف، فكانت غرفة للسلاح، وأخرى للمونة، وجرار الماء، وثالثة للفرش والحرامات، ورابعة للطعام... إلخ ، وكانت الخيل قد زربت على يمين المغارة حيث يطلُّ حرش البطم، والبلوط، والزعرور،والسرو..ورتّب الرجال أماكن نومهم، وتقاسموا نوبات الحراسة، وعبّاس يردد:

ـ رتبّوا أموركم على البقاء فترة طويلة...

أجابه حمزة:

ـ ليش عم تقول هالكلام..

ردّ عبّاس:

ـ لأن الفرنسيين ما راح يسكتوا عن الذي حصل..

يجيبه حمزة:

ـ يعني بنّا ننسى الضيعة، وماعاد فينا ننزل عليها.

يبتسم عباس ويقول:

ـ بالوقت الحاضر إنسوا أمر النزول إلى الضيعة.

ويتابع:

ـ لنشوف هاليومين شو ردة فعل الجيش الفرنسي، وبعدين لكل حادث حديث.

أشرقت عليهم شمس وادي النقعة وبدأوا نهارهم الأول في هذا الوادي، وأخذوا يترقبون ما تحمله الأخبار التي ستأتيهم من عين الجوزة.. انقضى النهار من دون أن تأتي أية إشارة تدل على أن شيئاً يحدث في الضيعة، وما إن حلّّ المساء حتى شاهد نمر أثناء نوبة حراسته شابين يتجهان صوب النبع، فسارع إلى إخبار عبّاس الذي عندما شاهدهما عرف أنهما شريف وسليم من عين الجوزة، فنزل إليهما يستطلع أخبارهما:

ـ ليش هون؟

ـ هربنا من الجيش الفرنسي الذي هاجم الضيعة مع الفجر، وبدأ الجنود يفتشون البيوت، وهم يسألون عنكم، وقاموا باعتقال الكثير من الشبّان...

أجابهما:

ـ طيّب اغتسلا على مياه النبع، واشربا واصعدا إلى فوق...

وأشار بيده إلى باب المغارة المغطى بجذع شجرة بطم... اندمج الشابان مع الرجال وسهرا ليلتهما الأولى في المغارة، وهما يقصّان على الرجال ما حصل في الضيعة من ترويع الأهالي، وتخريب البيوت، وسرقة الغلال والمواشي، وبينما هما منهمكان في وصف ما جرى يدخل عليهم عبّاس، وهو يحمل بين يديه على لوح من الخشب بعض أعشابٍ من الدردار، وقرص العنّة، والحمّيضة، والخبّيزة، وكان طعام العشاء من هذه الأعشاب المسلوقة، والمملّحة، فيضع اللوح على الأرض، ويجلس بقرب الشابين، ويتوجّه إلى الجميع بالقول:

ـ بسم الله... تفضلوا على العشاء...

تعالت أصوات الحاضرين:

ـ يا حاج، تسلم إيدك...

ـ ولو إنت جبت العشاء بإيدك...

ـ كنّا إحنا قمنا نعمل العشاء.

ـ الآن كلوا وناموا، وارتاحوا، وغداً يوم آخر.

ينبلج فجر جديد، وقبل أن ترسل أشعة الشمس سلاسلها الذهبيّة، كانت ثلّة من الرجال تؤدي صلاة الفجر على «نبع النقعة»، وتدعو إلى ربِّها أن ينصرها على عدوّها، وصعدت إلى السماء من الحناجر كلمات:

ـ اللهمَّ انصرنا على قوم أخرجونا من ديارنا ظلماً وعدواناً، ويسّر لنا من لدنك مخرجاً، إنّك نصير المظلومين يا أرحم الراحمين... آمين يا ربّ العالمين.

أنهى عباس صلاته بهذا الدّعاء، وردده الرجال الذين صلوا خلفه، ورددت صداه تلك الوديان والتلال... وبعد الفراغ من الصلاة امتشق الرجال السلاح، وامتطوا صهوات جيادهم، وهم يصعدون الهضاب، وينحدرون إلى الوديان، وعند وصولهم إلى مشارف الضيعة، وقف عبّاس خطيباً فيهم:

ـ الكل عارف شو دوره... كل واحد منّا ممنوع يقترف أي غلط لأن الخطأ لا يكلّف حياة صاحبه فقط، وإنما حياة المجموعة كلّها، فما بدي أكرر أنّ عليكم الانتباه الشديد والحذر الأكيد..

ردّ حمزة:

ـ لاتخف علينا، فنحن للحرب خلقنا وهي خلقت لنا... نحن رجال المعارك.. فقد خضناها أطفالاً.. وعاركناها شباناً.. وشبنا على أهوالها.. وقضمنا ويلاتها بأسناننا قضماً..

الصفحات