أنت هنا

قراءة كتاب حسين مروة - ولدت شيخا وأموت طفلا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حسين مروة - ولدت شيخا وأموت طفلا

حسين مروة - ولدت شيخا وأموت طفلا

كتاب " حسين مروة - ولدت شيخا وأموت طفلا " ، تأليف عباس بيضون ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

«ولدت شيخاً وأموت طفلاً»

قد لا تصح تسمية روّاد من جبل عامل على حسين مروّة؛ فالرجل خرج من جبل عامل إلى فضاء الدنيا الواسعة، وله اسم في محافل ثقافية وأدبية على مدى ثلاث قارّات. ولعل جائزتيه تنطقان بذلك، فاللوتس هدية قارّتين و«بيروت» هدية «العرب». والسبعون التي يحملها الشيخ، والثمانون التي تنتظره على المفرق، سنون قطاف وحصاد. فالاعتراف تلو الاعتراف والوسام تلو الوسام والتكريم تلو التكريم. تلك شيخوخة راضية مرضية أنجبت وأخصبت، فاستحقت العيد.

قد لا تصح تسمية روّاد جبل عامل على حسين مروّة لأنه من بين الروّاد جميعاً نجا من ريادة كانت غالباً موحشة وحيدة. لم يجمع موسى الزين شرارة أشعاره في كتاب ولا تزال محفوظة في الصدور والأفواه. وفرفط عبد المطلب الأمين أشعاره على حانات فرفط فيها عمره. وأسلمت هاشم الأمين عزلته إلى عزلات. ودخل صدر الدين شرف الدين في القطيعة والحصار إلى حدود الهذيان. ناهيك عن الذين حبّروا أكداساً غدت في ذكراهم الأولى أثراً بعد عين، سها عنها ورّاث مشغولون، أو أسلموها إلى حفّاظ أكثر سهواً. وفي الحالين لا يبقى سوى سطر شارد وحكاية على مصطبة ينساها الناس ما إن تغدو، «صور» خلفهم ويستقبلون البحر والطريق إلى العاصمة. روّاد جبل عامل! أية تسمية وأية ريادة في صحراء منقطعة.

أين من هذا المصير رجل كحسين مروّة لا يطرق طريقاً إلّا ويبلغ منه إلى غاية. ضاق بالنجف لكنه شرب الكأس إلى نهايتها. دخل إلى الحزب الشيوعي فلم يضطرب مرة في موضعه. انتقل من الأقصى إلى الأقصى فلم يزل ولم يتلجلج ولم يسلك طريق العودة الدامية، وفي الستين حلم بمشروع حياته وأنجز أكثره. كتاب باذخ عريض يطوي تاريخ قرون. وأدركته السبعون وهو لا يزال يحلم. سعد بامرأته وأولاده، وسعد بنفسه وسعد بحزبه فكأن يده لا تمس شيئاً إلّا ويحل فيه السعد.

يتكلم على أبيه فكأنه فارق البارحة وعن أمه كأنها لا تزال تفوح في الدار، وعن امرأته كأنه في لقائها الأول، وعن حزبه وقضيته بلا خيبة، كأن الحياة لا تخسر شيئاً. والزمن البسيط المتغير هو ذاته وجه الأبدية.

لا تصح تسمية روّاد جبل عامل على حسين مروّة لأنه نجا منها، لم يصر جنرالاً للموتى. وصل وكان أول الواصلين، خرج من ريادة المنفى إلى لاعودة. خلع الجبة والعمامة، وعلى الرغم من أن الطيّون بقي في أنفه والأب الغائب لا يزال يلقّنه، إلّا أنه أعطى للطيّون ما للطيّون وحمل أيقونة أبيه لا في بيروت وحدها ولكن على مرافئ وموانئ بلا حصر. لقد انكسرت المصطبة وانفضّ المجلس، حسين مروّة حمل المصطبة في قلبه، وبعده سيأتي شبان لا يطمحون للريادة ولا يبالون إذا رأوا المصطبة مكسورة في قلوب الآباء.

الصفحات