كتاب " سنونوات كابول " ، تأليف ياسمينة خضرا ترجمه إلى العربية محمد ساري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2007 ، ومما جاء في مقدمة الكتا
أنت هنا
قراءة كتاب سنونوات كابول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
- إننا نعيش معاً منذ حوالي عشرين سنة. ليس هذا بالأمر الهيّن.
أحسّ مرزا بسخط يسري في جوارحه، ولكنه تمالك نفسه كي لا يغضب صديق طفولته.
- يا صديقي الشقي، إنني أعيش مع أربع نساء. تزوجت الأولى منذ خمس وعشرين سنة؛ والأخيرة منذ تسعة أشهر فقط. ولا أشعر باتجاههن جميعاً إلا بالشك وعدم الثقة، لأنني لم أدرك في أية لحظة كيف يشتغل مخّهن. وأنا مقتنع أنني سوف لن أمسك أبداً بخيوط فكر النساء. كما لو أن تفكيرهن يدور في الاتجاه المعاكس لعقارب الساعة. أن تعيش سنة أو قرناً مع عشيقة، أمّ أو بنت من صلبك، ستشعر دوماً بالفراغ، كما لو أن حفرة مستترة تعزلك تدريجياً كي تعرضك أحسن لتقلبات إهمالك. فمع مثل هذه الكائنات المنافقة وغير المتوقعة بشكل غريزي، فكلما اعتقدت أنك روّضتها، قلّت حظوظك في تجاوز شرورها. لن تحصّن نفسك ضد سمومهن حتى وإن ربيت عقرباً في حضنك. أما بالنسبة لعدد السنوات، فلا يمكنه جلب الهناء في بيت حيث يخدع فيه حب النساء هشاشة الرجال.
- لا يتعلق الأمر بالحبّ.
- ماذا تنتظر إذاً كي ترميها إلى الشارع؟ طلّقها وامنح لنفسك بكراً سليمة وقوية البنية، تحسِن السكوت وخدمة زوجها بلا ضوضاء. لا أريد أن أفاجئك بعد اليوم تتحدث بمفردك في الشارع كالمعتوه. وبالأخص ليس بسبب أنثى. هذا الأمر يغضب الله ورسوله.
سكت مرزا فجأة. توقف شاب عند عتبة الدكان، البصر تائه والشفتان منزوفتان؛ طويل القامة، وجهه أمرد وجميل يزينه عقد من الزغب. يتدلى شعره الطويل الأجعد على كتفيه اللتين تبدوان ضامرتين كما كتفي فتاة. قال مرزا بفظاظة:
- ماذا تريد؟
وضع الرجل إصبعاً على صدغه كي يستعيد صحوته، الحركة التي زادت من ضجر مرزا.
- أنطق أو عُد من حيث أتيت. ألا ترى بأننا نتحدث؟
انتبه محسن رمات إلى أن الرجلين قد أمسكا بكرباجيهما وهما يستعدان لسوطه على الوجه. رجع القهقرى يتلعثم بالاعتذارات وابتعد باتجاه المخيّم. قال مرزا ساخطاً:
- أنظر إلى هؤلاء الأجلاف. لا يتحرجون أبداً من إزعاج الغير.
هزّ عتيق رأسه مدمدماً. أيقظه هذا التدخل المباغت. لقد أدرك فحش أسراره، ولام نفسه على عدم مقاومة الرغبة الجامحة في إفراغ همومه الوسخة على شرفة مقهى حقير. إثر ذلك خيّم صمت مزعج بينه وبين صديق طفولته. لم يجرؤ أحد على النظر إلى الآخر، تخندق أحدهما خلف تأمل خطوط يديه، فيما انشغل الثاني بالبحث عن صاحب المقهى.


