كتاب " سيرة ذاتية علمية " ، تأليف آلدو روسي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب آلدو روسي - سيرة ذاتية علمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
آلدو روسي - سيرة ذاتية علمية
سيرة ذاتية علمية
لقد بدأت تدوين هذه المذكرات منذ حوالى عشر سنوات، وأحاول الآن أن أنجزها كي لا تتحوّل إلى مجرد ذكريات. ففي مرحلة ما من حياتي، اعتبرت أن الحرفية أو الفن هو تعبير عن الأشياء وعن أنفسنا، ولذلك لطالما أعجبت بـ "كوميديا" دانتي، التي بدأ الشاعر كتابتها وهو في الثلاثين من عمره. عندما نصل إلى هذا العمر، علينا أن نكون قد بدأنا السير على طريق محدّدة، وأن نكون قد انتهينا من مرحلة الإعداد والبناء الذاتي. وانطلاقاً من ذلك، فإنَّ كل كتاباتي الأولى ورسوماتي تبدو لي نهائية من منظارين: أولاً لأنها تختم مرحلة اختباراتي الشخصية، وثانياً لأنه لم يعد لدي شيء أضيفه إليها.
إنَّ كلّ موسم صيف كان يبدو لي وكأنه الأخير، وهذا الشعور يفسّر، بالجمود، العديد من أعمالي. ولكن في سبيل فهم أو تفسير أعمالي المعمارية، عليَّ أن أعود مجدداً إلى الأشياء أو الانطباعات، وأن أصفها أو أحاول وصفها بطريقة ما. إن أهم مرجع لي هو بالتأكيد "المذكرات العلمية" لـ ماكس بلانك. في كتابه هذا، يعود بلانك إلى اكتشافات الفيزياء الحديثة والى الانطباع الذي تركه في ذهنه إعلان مبدأ حفظ الطاقة. كان يربط دائماً هذا المبدأ بقصة كان يسردها معلمه في المدرسة عن عامل البناء الذي يحمل، بجهد كبير، صخرة إلى سطح المبنى. ولقد فوجىء هذا العامل بفكرة أن الطاقة التي يبذلها لإيصال هذه الصخرة لا تذهب هدراً بل إنها تحفظ لسنين عديدة، دون أية خسارة، وتبقى كامنة في الصخرة هذه، إلى أن يأتي اليوم الذي تسقط فيه من أعلى السطح لتقع على رأس أحد المارة فتقتله. قد يبدو غريباً أن يربط بلانك ودانتي بين بحثهما العلمي ومذكراتهما وبين فكرة الموت، الذي هو بشكل أو بآخر استمرارية للطاقة. في الحقيقة فإن مبدأ حفظ الطاقة يختلط عند كل فنان وتقني مع البحث عن السعادة والموت.
يرتبط هذا البحث في العمارة أيضاً بالمادة والطاقة، وإذا لم نستطع فهم ذلك الارتباط، فإننا لن نتمكن من فهم أي بناء، لا من الناحية التقنية ولا من الناحية التصميمية، لأنه في استعمال كل مواد من البديهي أن تتكوّن لدينا نظرة استباقية لبناء المكان وتحوّله. فالمعنى المزدوج للكلمة الإيطالية Tempo "، والتي تعني "الطقس" و"الزمن"، هو مبدأ يسيطر على كل عملية بنائية. لذلك، فإنني أرى الآن بوضوح هذا المعنى المزدوج للطاقة في العمارة، كما في المهن الأخرى والفنون. في كتابي الأول "عمارة المدينة" حددت هذه المشكلة في العلاقة بين الشكل والوظيفة: الشكل يستمر ويطغى على العمل البنائي في عالم تتغير فيه الوظيفة باستمرار، وتتحوّل المادة في الشكل. فالمادة التي يصنع منها الجرس قد تتحوّل إلى مدفع، والمدرج قد يتحوّل إلى مدينة، والمدينة إلى قصر. لذلك بدا لي كتابي الأول الذي كتبت في الثلاثين من العمر نهائياً، وحتى اليوم فإن فرضياته تبدو لي نهائية. وفي وقت لاحق رأيت أنه من الممكن توسيع بعض أجزائه كي تجمع عدداً أكبر من المواضيع، وخاصة في ظل المقارنات التي تتقاطع مع نشاطاتنا.
منذ مشاريعي الأولى، حين كنت مهتماً بالمذهب "الصفائي"، أحببت الاندماج والتحوّلات البسيطة، التعليقات والتكرار، لذلك، فإنَّ دراساتي الأولى لم تكن في الفنون، وفي كل الأحوال فإن لكل المهن القيمة نفسها شرط أن يكون لها غاية محددة. كان بإمكاني أن أدرس أي شيء، وبالفعل بدأ اهتمامي ونشاطي في مجال العمارة متأخراً. في الحقيقة، أظن بأنني لطالما كنت مهتماً بالأشياء والأشكال ولكنني كنت دائماً أعتبرها كاللحظة الاخيرة لنظام معقد، لطاقة لا تظهر إلا من خلال هذه الوقائع. لذلك كنت متأثراً جداً في طفولتي بـ "الجبال المقدسة" (Sacri Monti) بشكل خاص: فكان يبدو لي أن المجسمات الجصيّة، والحركة الساكنة، والتعبير المعلّق، من الصعب أن يعبّر عنها إلا في سياق قصة ما تجسّد التاريخ المقدس بالكامل.