كتاب " سيرة ذاتية علمية " ، تأليف آلدو روسي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب آلدو روسي - سيرة ذاتية علمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
آلدو روسي - سيرة ذاتية علمية
سان كارلوني في آرونا
ربما يكون حجم هذا العمل المعماري هو الذي بعث فيّ شعوراً غريباً بالفرح لأنّ قوّته كامنة في داخله. ويكون التأثير مماثلاً عندما نشاهد قطاراً أو دبابة متوقفة. في وقت لاحق بدا لي هذا الانطباع الأولي لهذه العلاقة بين الداخل والخارج أوضح، على الأقل في إشكاليتها: إذ حاولت ربطها بركوات القهوة، فهي أيضاً متّصلة بالطعام وبالأدوات التي يطبخ فيها الطعام. إنّ ميزة القطع الأثرية والأدوات، التي غالباً ما تضجرنا في المتاحف، هي شيء يتكرر باستمرار.
رأيت صورة غريبة لوجه شخص يقف وراء قضبان قصر أو دير. إنه لمن الصعب أن نعرف ما إذا كنا نرى من منظار الشخص الذي ينظر الينا أو من الاتجاه المعاكس، لأنني عندما أنظر إلى هذه الصورة لا أسأل نفسي السؤال المبتذل عن كيفية ترجمة هذا الانطباع في العمارة أو في السينما أو غيرها، لكنني استنتج أن القضبان هي الوسيلة التي تسمح بحصول هذا الحدث، أي ظهور وجه هذا الشاب. في مصادفة استثنائية، وبعد أن رأيت هذه الصورة، قمت بزيارة لمساكن الراهبات في دير لاس بالاياس في سانتياغو دي كومبوستيلا، حيث واجهت مجدداً الانطباع ذاته الذي شعرت به عند رؤية تلك الصورة. واجهة لاس بالاياس هي إحدى تحف العمارة الأسبانية في القرن السابع عشر، وقد تركت انطباعاً كبيراً لدي، حتى أن أصدقائي القطلونيين قارنوا في أحد منشوراتهم بينها وبين البناء الذي صممته في حيّ غالاراتيسي في ميلانو. هناك، في داخل مساكن الدير، رأيت شعاعاً مضيئاً يتناقض كلياً مع طابع السجن لواجهة المبنى الخارجية، حتى أن الأصوات الآتية من الخارج كانت تسمع في الداخل بوضوح، كما لو أنك داخل مسرح. وبطريقة مماثلة يمكنك رؤية المنظر الخارجي كما لو أنك تشاهد مسرحية ما داخل المسرح.
دير لاس بيلاياس، سانتياغو دي كومبوستيلا
بهذه الطريقة، تصبح العمارة الوسيلة للحدث الذي نبتغي، إن حصل هذا الحدث أو لم يحصل، وفي توقنا له، يصبح الحدث شيئاً "تصاعدياً" في المنحى الهيغيلي. سأعود إلى هذه النقطة لاحقاً، لذلك فإن تقدير الحجم الحقيقي للطاولة أو للمنزل مهم جداً، ليس للاسباب التي وضعها "الوظيفيون"، أي للقيام بوظيفة محددة، بل لأنها تسمح بالقيام بوظائف أخرى، وأخيراً لأنها تسمح بحصول ما هو غير متوقع في الحياة.
في اهتمامي بالأشياء، يجب أن أعترف بأنني كنت دائماً أخلط بين الشيء وبين الكلمة التي تدل عليه، من خلال جهلي أو من خلال حكم مسبق، أو حتى من خلال زعمي أن كل ذلك يمكنه إضفاء معنى لتصريح ما أو رسمة ما. على سبيل المثال، لطالما ظننت أن كلمة "apparecchio" (أي الجهاز أو الآلة) لها معنى واحد، وهذا مرتبط بقراءتي لكتاب آلفونسو دي ليغوري Apparechio alla morte " (جهاز الموت). لقد كان هذا الكتاب الغريب، الذي لا أزال أحتفظ به يبدو لي وكأنه جهاز بحّد ذاته، وذلك لحجمه الصغير وصفحاته الواسعة. كنت أشعر أنه من غير الضروري قراءة هذا الكتاب بل يمكن الاكتفاء باقتنائه، كأداة، لكن العلاقة بين الجهاز وبين الموت تعود وتتأكد من خلال عبارات يومية مثل apparecchiare la tavola "، أي تحضير الطاولة وتجهيزها. ومنذ ذلك الحين بدأت أرى العمارة كأداة تسمح بانكشاف الأشياء؛ ولقد ازداد هذا الوعي عبر السنين خصوصاً في مشاريعي الأخيرة حيث حاولت أن أصمّم أبنية تسمح بحصول أحداث معينة. سوف أتكلم لاحقاً عن هذه المشاريع، لكنني أستطيع أن اقول الآن إنَّ هذه المشاريع تصل إلى درجة من السكون، سكون مختلف عن ذلك الذي كنت أطمح اليه في حقبة الـ "صفاء" في مراحلي الأولى، حين كنت مهتماً بالضوء، بالجدران، بالظلال والنوافذ، فأدركتُ أنه إذا كان من المستحيل ابتكار جوّ ما، فمن الأفضل اختبار الأشياء أولاً وتركها لاحقاً. في البدء يمكن أن يكون كل شيء متوقعاً، مع أن كل شيء غير متوقع يكون أكثر تشويقاً لأنه يتجاوزنا.