كتاب " سيرة ذاتية علمية " ، تأليف آلدو روسي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب آلدو روسي - سيرة ذاتية علمية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
آلدو روسي - سيرة ذاتية علمية
الجبل المقدس
أخيراً، من فترة الطفولة، لا يمكنني أن أنسى "الجبال المقدسة" التي قمنا بزيارتها على ضفاف البحيرات والتي أعطتني من دون شك فرصة التعرف على الفن الرمزي وكنت، كما الآن، مجذوباً إلى هذا الجمود وهذه النزعة الطبيعية، نحو كلاسيكية الأشكال وطبيعة الناس والأشياء بحيث أثارت فيّ حالة الارتقاب هذه في الأشكال شعوراً منعشاً بالبرودة. هنا أيضاً شعرت برغبة بالعبور عبر قضبان النافذة، وبوضع أحد تصاميمي على شرشف المائدة التي جهّزت للعشاء الاخير، للهروب من وضعية عابر السبيل. ففي كل تصاميمي ورسوماتي، أظن أننا نجد ظل هذه النزعة الطبيعية التي تتجاوز غرائب هذه الأشياء. لذلك عندما رأيت مجموعة أعمال الرسام إدوارد هوبر في نيويورك، فهمتها من خلال أعمالي كونها ذكّرتني، أيّ رسوماته مثل "Chair car" أو "Four lane road" ، برسوخ هذه المعجزات التي تتخطى الزمن، بالموائد الممتدة إلى ما لا نهاية، بالمشروبات التي لم يتم احتساؤها، والأشياء الموجودة فقط من أجل ذاتها.
عندما أفكر بهذه الأعمال، أدرك أن ما يثير اهتمامي يكمن في الأشياء التي تبدو على وشك التعبير، والآلية التي يتم التعبير بها، مع أنني أدرك تماماً أن هنالك آليات أخرى غير ظاهرة تعيق الترجمة الطبيعية لهذه العمليات، تاركة المجال لحدوث أمور أخرى. إنَّ هذا كله يرتبط بموضوع الحرية التي يمكن ترجمتها بالنسبة لي أيضاً إلى عمل حرفي. لست أكيداً عن أية حرية أتكلم هنا ولكنني وجدت دائماً طرقاً للدفاع عنها. بالطبع، هنالك أمثلة عدة عن هذه الحرية، وبما أنني أكتب سيرة مشاريعي المعمارية التي تختلط بسيرتي الذاتية فلا أستطيع أن أنسى الانطباع الذي أحدثه فيّ كتاب "حياة هنري برولار" في فترة شبابي. ربما اكتسبت معلوماتي الأولى عن العمارة من خلال رسومات ستاندال، وهذا الخليط العجيب بين السيرة الذاتية والمخططات العمرانية، التي شكّلت نواة فكرة لاحقتني وأتت ترجمتها في هذا الكتاب. لقد دهشت حينها برسوم المخططات التي بدت لي كترجمة غرافيكية للمخطوطة الكتابية وذلك لسببين: أولاً لأن الكتابة باليد هي تقنية بالغة التعقيد تقع بين الرسم والكتابة، وثانياً لأن هذه الرسومات تجاهلت النواحي الشكلية أو البعدية.
في بعض مشاريعي الأخيرة، حاولت أن أوقف الحدث قبل حصوله، كما لو أنه بإمكان المعماري تنبؤ طريقة تطور الحياة في المنزل، إذ من الصعب على مصممي الديكور الداخلي فهم هذه الأشياء، لأنهم مقيّدون بالأشياء العابرة كتصميم تفصيل ما، أشياء يمكن في الواقع استبدالها بحياة المنزل. كذلك، ربما قادتني رسومات ستاندال إلى دراسة النماذج المعمارية والمبادىء الأساسية للنموذجية في العمارة. وقد كان من الاستثنائي أن أبدأ رحلتي الأكاديمية كأستاذ بإعطاء دروس عن "المبادىء الوظيفية للأبنية"، وهو موضوع تم الاستغناء عنه في البرامج الحالية وقد بدا لي كإطار للمسارات والأبعاد، كشبح أو هيكل للعمارة، بحيث أضحى المسطح المعماري حالة مادية، كما عندما يمر المرء في أوستيا أو في أية مدينة أخرى حيث تبدو الأشكال الممسوحة واضحة. قد يبدو ذلك وهماً في البدء، ولكن سرعان ما نعود لنرّكب في ذهننا العمارة، فيظهر لنا ما كان باباً أو غرفة أو ممراً في حياة سابقة. يقال إنه في الماضي كان على كل من يريد بناء منزل في إشبيلية أن يعطي المعماري أو البنّاء قياسات الفناء الداخلي، ويطلب منه أن ينظم مجموعة من الغرف حوله، لكن يبدو لي هذا مرتبطاً بمفهوم الحرية والخيال، إذ إن هناك بضعة أشياء يجب تحديدها دون أخطاء، وهذا ما يشكل معنى المبنى. إن الهدف من هذه الملاحظات ليس الوصول إلى مفاهيم حتمية في التعليم المعماري، لأن طريقة التعليم مهمة أيضاً، لكن من المؤكد أنه لا يمكن تصور بعض الأشياء إن لم تكن مرتبطة بالمشاعر التي أحسسناها عندما رأيناها لأول مرة. إنها وقائع مهمة جداً بالنسبة لي، خصوصاً من الناحية الشكلية التي يصعب التعبير عنها. في صباح أحد الأيام، وفي تجوالي عبر القناة الكبرى في البندقية على متن أحد المراكب، لفت أحدهم انتباهي إلى "عمود فيلاريتي" وممر الـ "دوكا" والمنازل المتواضعة المبنية في المكان الذي كان الأمير الميلاني ينوي أن يبني له قصراً مميزاً. منذ ذلك الوقت وأنا أراقب دوماً هذا العمود وقاعدته، لأنه أصبح يختصر البداية والنهاية. لطالما بدا لي هذا السجل أو الأثر الزمني، في نقائه الشكلي المطلق، رمزاً للعمارة عندما تستهلكها الحياة من حولها. ولقد رأيت أيضاً "عمود فيلاريتي" في آثار رومانية في بودابست، كما في تحوّل المدارج الرومانية، وفي أجزاء لآلاف من الأبنية الأخرى. ربما أنني شغوف بالأجزاء للسبب نفسه الذي أرى أنه من الحظ أن نلتقي بشخص انقطعت علاقتنا به، فهذا يعيد إلينا الثقة في جزء من نفسنا.
الصفحات
- « first
- ‹ previous
- 1
- 2
- 3
- 4