كتاب " على قلق " ، تأليف حسام عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب على قلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
على قلق
كل هذا السلاح
هدف صفقة الأسلحة الأميركية الضخمة مع الدول العربية «المعتدلة» والمساعدات الأكبر إلى إسرائيل هو التصدي للنفوذ الإيراني وتطويق سوريا و«حزب الله» وتنظيم القاعدة. هذا ما أعلنته وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس عشية سفرها إلى المنطقة.
تريد الولايات المتحدة استبدال سلعتها الجديدة التي حاولت تسويقها في الأعوام الخمسة الماضية، الديموقراطية، بعدما اكتشفت محاذير تصدير الديموقراطية من دون السلة الكاملة من التغييرات الثقافية والاجتماعية والحريات العامة، التي تأتي معها، بسلعة أثبتت الأيام الخوالي نجاعتها: صفقات الأسلحة العملاقة.
لكن الأهداف الأميركية المعلنة تواجه بغموض عربي. ما تريده الولايات المتحدة واضح وخلاصته تغيير طبيعة الصراع في المنطقة من صراع عربي إسرائيلي يسعى العرب فيه إلى إنهاء احتلال أراضيهم، إلى صراع بين معتدلين ومتطرفين. تفيد إلقاء نظرة فاحصة أن المطلوب من العرب هو الانخراط في سلسلة من الصراعات، قابلة جميعها للتحوّل إلى حروب مدمرة. فما معنى «مواجهة حزب الله» على المستوى اللبناني، على سبيل المثال؟ إنها دعوة علنية إلى تفجير حرب أهلية جديدة في لبنان. لا أكثر من ذلك ولا أقل.
أما تطويق إيران بإعادتها إلى ما وراء «ستار أخضر» يوازي الستار الحديدي الذي شكّل الحد الفاصل بين «العالم الحر» وبين دول المنظومة الاشتراكية، في الحرب الباردة الثانية، فتؤدي إلى ما لا يقل عن تفتيت العديد من دول المنطقة التي تتباين مواقف القوى السياسية الرئيسية فيها، تبايناً شديداً من مسألة العلاقات مع إيران مثل لبنان والعراق وفلسطين (يمكن العودة هنا إلى مقال روبن رايت في «واشنطن بوست» في 29 تموز 2006، حيث يوضح المخاطر الجسيمة للحرب الباردة الثانية، على صعيد المنطقة في مقابل مقالتي وليام كريستول في الصحيفة ذاتها في 15/7 ومايكل أوهانلون وكينيث بولاك في «نيويورك تايمز» 30/7، الذين يرون أن إدارة بوش تحرز تقدماً على جميع الجبهات).
وإذا تحلى المرء بحسن النية، فسيكتفي بالانتباه إلى الغموض الذي يغلّف الموقف العربي الرسمي الذي يُقرأ في نتائج اجتماعَي وزراء الخارجية العرب في القاهرة، أمس الأول، واجتماع «المعتدلين» منهم مع رايس في شرم الشيخ، أمس، أما إذا أراد الاقتراب من الواقعية، فسيرى أن درجة معيبة من التواطؤ تنضح منه.
تواطؤ ضد مَن ولمصلحة ماذا؟ أقل ما يمكن قوله في هذا المقام إنه تواطؤ مع مشروع أميركي يريد قسمة المنطقة على أساس مذهبي، بين «أنظمة معتدلة سنية» و«إيران الشيعية وحلفائها». والولايات المتحدة التي أزالت منطقتي العزل اللتين كانتا تحيطان بإيران من الشرق والغرب (نظام طالبان في أفغانستان من الشرق ونظام صدام حسين في العراق من الغرب) اكتشفت، بثمن باهظ، أنها أطلقت الجنّي من قمقمه. لذا على العرب، المعروفين بنجدة الملهوف، مساعدتها في إعادة الجنّي إلى حجمه السابق، على الأقل.
أما المصلحة، فتحتاج في دنيا العرب اليوم إلى تعريف جديد: أين تكمن المصالح العربية في الانضواء في مشروع كهذا؟ ننحّي جانباً حديث تبديد الثروات على أسلحة ستصدأ في مستودعاتها، مقابل إبداء الدهشة أمام الإصرار على رسم خرائط تقسيم جديد للمنطقة العربية يُخترع فيها، من العدم أو ممّا يدانيه، عدو جديد للعرب.
على أن كلمة حق يجب أن تقال زبدتها أن الدور الإيراني يثير الكثير من الانزعاج في أوساط ليست بالضرورة موالية للولايات المتحدة، خصوصاً في العراق. وأن السلوك الإيراني عموماً، والإسراف في التصعيد اللفظي، لا يفيدان سوى في إبعاد مَن يسعى إلى فهم أفضل للموقف الإيراني، هذا إلى جانب نقص واضح في قدرة إيران على تفسير تصرفاتها إزاء الأقليات فيها أو ملفها في مجال حقوق الإنسان. وإذا كان شكل النظام الإيراني هو من شأن مواطني إيران، فإن ذلك ينبغي ألا يغفل الحقيقة البسيطة عن الترابط العميق بين البحث عن المؤيدين في العالم العربي وتقديم نموذج داخلي أرحب وأكثر قبولاً بالاختلاف واستجابة للنقد.
غير أنه ليس من جاهل بتداخل التاريخين العربي والإيراني على مدى القرون، تداخل كان له الفضل الأول في إنتاج الثقافة العربية الإسلامية الزاهية وكبار رموزها، وليس من جاهل (باستثناء بعض أوّلي الأمر في عواصم العرب، على ما يبدو)، بأن النزعة التبسيطية والابتسارية الأميركية في وضع العلاقات العربية الإيرانية في موضع الأزمة المحتاجة إلى علاج حاسم، ولو بالقوة المسلحة، سيرتد دماراً للقضية العربية ويعمّق من جاذبية التيارات التكفيرية الجهادية.
لعله ليس مطلوباً من ذوي النظرة السطحية إلى هوية المنطقة وتراثها وتاريخها، أن يقدموا إجابات تتناول الموضع الذي يجب أن توضع فيه ثقافتها أو كيف ينظر أبناء هذه المنطقة، مثلاً، إلى الإمام الغزالي الذي وُلد في خراسان ودفن قرب مشهد، ومع ذلك يعتبر من كبار فقهاء السنة، ولا كيف يتعاملون مع إرث صدر المتألهين الشيرازي (الملا صدرا) الذي كتب جلّ مؤلفاته في القرن السادس عشر باللغة العربية، أو كيفية النظر إلى علماء جبل عامل العرب الذين ساهموا مساهمة كبرى في نشر التشيّع في إيران، ولا كيف يمكن أن يستمر بلد مثل لبنان تكاد تغرقه الفتن المذهبية، في حال قرّر طرف فيه أن يجلب البلد إلى أي من المعسكرين المتصارعين؟
هذه أسئلة لا ترد على بال السيدة رايس، بطبيعة الحال، لكنها قد تفوق في أهميتها بالنسبة إلى أهل هذه المنطقة كل هذا السلاح المتطور الذي يعدنا البيت الأبيض أنه سيعزز استقرار المنطقة، المفقود أصلاً، ومن دون أن يظهر سؤال مجرد سؤال عن سبب حصول إسرائيل على سلاحها بالمجان، وبما يزيد كثيراً عن سلاح العرب.
1/8/2007