قراءة كتاب على قلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
على قلق

على قلق

كتاب " على قلق " ، تأليف حسام عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

الانقسام العظيم

أمام سجال من صنف السجال السعودي السوري، على اللبنانيين الانتباه جيدا. صحيح أن تبادل التصريحات هدأ في اليومين الماضيين، لكن مواقف الرياض ودمشق من القضايا الخلافية لم تتغير.
يحتل لبنان موقعاً رئيساً في المعركة الإعلامية القصيرة إنما الحادة التي دارت رحاها بين البلدين. غير أن مواضيع الخلاف تتجاوز بأشواط تصورات العاصمتين لما ينبغي أن تسير عليه الأمور في بيروت. بل ما من مجازفة في القول إن موضوع التنافر الأبرز بين السعودية وسوريا لم يصعد إلى سطح المبارزة الإعلامية.
نحن بإزاء دولتين عربيتين كبيرتين تنتمي كل منهما إلى معسكر إقليمي ودولي يخوض مواجهة شرسة ومعقدة مع المعسكر الآخر. يغري التبسيط بتوصيف المعسكرين بأنهما «معسكر الاعتدال» يقابله «معسكر التطرف»، أو أنصار الولايات المتحدة والسعودية يجابههم مؤيدو سوريا وإيران، أو غير ذلك من تسميات وتوصيفات لعل الأخطر من بينها ذلك التقسيم على أساس مذهبي وطائفي للمنطقة العربية: السنّة ضد الشيعة.
لا يخلو أي من المعسكرين المتواجهين، بطبيعة الحال، من قوى لا ترى نفسها معنية أو ملزمة بالفرز المذهبي. غير أن الحقائق المذهبية للانقسام من العوامل التي تغري جهات أساسية في المواجهة باستغلالها إلى أقصى حد. وعندما تبدي كل من السعودية وسوريا اعتراضات عميقة على سياسات الدولة الاخرى، يكون الوقت قد أزف بالنسبة إلى المتطرفين في المعسكرين لنبش أحقاد التاريخ وصراعاته التي لم تنته بعد.
مسألتان من الأهمية بمكان الإقرار بهما قبل التأمل في حظوظ نجاح أي محاولة لتجنب تعميق الصراع العربي العربي. المسألة الأولى أن الخلافات المذهبية في العالمين العربي والإسلامي حقيقة تاريخية قائمة لا يصح إنكارها ولا القفز من فوقها برغم أنها تختفي لعقود من الزمن ثم تطل برأسها مجددا، بغض النظر عمن «أيقظها» (وفق القول السائر بلعن من يوقظ الفتنة).
المسألة الثانية هي أن موضوع الأقليات في العالم العربي لم ينل نصيبا معقولا من العلاج. وأمام يقظة العصبيات المحلية والهويات الفرعية، اختار العرب، بأنظمتهم ومؤسساتهم، الهرب من وجه هذه المشكلة المعقدة، على غرار هربهم من أمام الكثير من المشكلات.
وإذا أراد العرب استخدام الصراحة والعلانية كوسيلة لمعالجة أزماتهم، فلا مندوحة من الإقرار بأن تجارب الأقليات في الحكم، غير موفقة كحد أدنى وكارثية كحد أقصى. فالالتباس بين احتلال موقع الأقلية في الداخل والانتماء إلى أكثرية خارجية، انتهى إلى وصول المشرق العربي إلى خيارات عبثية.
أين موقع السجال السوري-السعودي من هذا التوصيف؟
يعكس التباين الكبير في رؤيتيّ السعودية وسوريا إلى قضايا المنطقة، وانحياز «المؤسسة» العربية الرسمية إلى جانب الرياض (وفق ما ظهر من ترك السفير السوري يخرج غاضبا من الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب) أن النظام العربي الرسمي الذي انهار نهائيا أثناء حرب تموز الاسرائيلية على لبنان، قد انقسم إلى مشروعي نظامين متناحرين يوالي كل منهما معسكرا يجري العمل على إضفاء السمات المذهبية والطائفية اليه من دون كلل. وواهم من يعتقد أن المواجهة العنيفة اذا ما وقعت، ستستثني اللجوء إلى التاريخ المذهبي والعرقي الدموي بين العرب والفرس وبين السنّة والشيعة وبين كل الطوائف ضد كل الطوائف.
هنا مصدر الخطورة المضاعفة على لبنان. وإذا كان الخلاف السعودي السوري يشير، في جانب منه على الأقل، إلى استكمال «البنى الفوقية» للانقسام الإقليمي والدولي حول المشرق العربي وفيه، فإن لبنان، بصفته متنفس الصراعات والحروب، صار متاخماً لمرحلة جديدة من التصعيد المذهبي والطائفي. تكفي نظرة واحدة إلى ضيوف البرامج التلفزيونية وما يوجهون فيها من شتائم مذهبية صريحة ومبطنة بغلالة الحرص على «الممانعة» أو «الحقيقة»، حتى يدرك المشاهد، من دون حصافة كبيرة، أن الوكلاء المحليين لفرقاء الصراع الإقليمي العظيم، صاروا في أوج الجهوزية والنشاط.
هل نحن أمام سيناريو رؤيوي (من «سفر الرؤيا») لدمار المنطقة ولحرب طائفية تحيلها رماداً؟ أم أن وراء الأفق الأسود تكمن الحلول المستندة إلى إحساس الأطراف المعنية بهول ما يعنيه صراع مكشوف من تأثير على مصالحها؟
تشجع لغة الأدبيات السياسية اللبنانية والعربية على استخدام تعابير من نوع «أن المنطقة تشهد سباقا بين الحرب والسلام». لا يضاهي فقر التعابير هذه إلى الخيال سوى ضحالتها في رسم مستوى التعقيد في العوامل الداخلة في الصراع والمحددة له بحيث تحمل كل لحظة تنبيهاً إلى انعدام استقرار المعادلة الكيميائية للعناصر المكونة للمشرق العربي.
22/8/2007

الصفحات