قراءة كتاب على قلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
على قلق

على قلق

كتاب " على قلق " ، تأليف حسام عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 8

دروس أيلول

ما جرى في سماء سوريا قبل أسبوع يزيد قلق اللبنانيين من انضمام شهر أيلول هذا إلى أشهر أيلول عدة ماضية حملت لهم احداثاً جساماً ومرارات ما زالت شواهدها باقية. وعطف الحدث الاقليمي على الاستعدادات لمعركة رئاسية قد لا تخلو من مفاجآت تنهي فترة الركود السياسي والاضطراب الأمني وتزيد التدهور المعيشي، هو مما يزيد الالتزام بالحذر.
ويبقى أيلول، في بلد تكثر فيه الأحداث ومناسبات إحيائها، شهراً غنياً بدروس دفع اللبنانيون ثمناً باهظاً لها. في مقدمة دروس أيلول التي يفترض أن تحتل مكاناً مهماً في ذاكرة مواطني هذه البلاد، الاجتياح الإسرائيلي صيف العام 1982 الذي ظهرت نتائجه الكبرى في مثل هذه الايام قبل خمسة وعشرين عاماً: هزيمة الجسم السياسي والعسكري للفلسطينيين وترحيله إلى المنفى، وإرهاب للجسم السكاني الذي بقي في المخيمات عبر مجزرة شاركت فيها مشاركة أساسية يد لبنانية عنصرية، وفرض رئيسين للجمهورية بحراب الاحتلال وبدباباته.
كان يفترض أن يُظهر الاجتياح الاسرائيلي ومن ثم إخفاقه في تحقيق أهدافه بفضل تضحيات اللبنانيين والفلسطينيين، حدود الالتحاق بالخارج. الخارج الفلسطيني بالنسبة إلى معسكر الحركة الوطنية والمسلمين اللبنانيين، من جهة، والخارج الاسرائيلي الاميركي من الجهة المقابلة. لقد اصطدمت محاولتا المعسكرين تغيير موازين القوى الداخلية اعتماداً على الخارج (مع التفاوت الكبير بين معنيي الخارج وعدم صحة وضع علامة المساواة بينهما)، بالتعقيدات اللبنانية والاقليمية التي ادت إلى فشل المحاولتين.
ومثّل اغتيال بشير الجميل والفشل الذريع لعهد شقيقه أمين درساً عميقاً في ركاكة التصور اللبناني عن المدى الذي يمكن للسياسة المحلية أن تبلغه من التذاكي ومن السعي إلى اللعب في ملاعب القوى الكبرى.
ومن دروس أيلول واحد يجدر استخلاصه من المآل الذي آلت إليه جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي. لقد انطلقت الجبهة بصفتها الرد الوطني على الاجتياح وعلى المشاريع المحلية الملتحقة به. وقدمت على مدى أعوام نموذجاً مهماً لانخراط لبنانيين يعلون انتماءهم إلى بلدهم على انتماءاتهم الفرعية، الجهوية والطائفية، وصولاً إلى التضحية القصوى في سبيل تحريره وتقدمه. ويحض المصير الذي انتهت إليه جبهة المقاومة على النظر إلى الصعوبة الحقيقية التي تواجه أي رهان على غلبة السياسة بمعناها العابر للطوائف على المعنى اللبناني الضيق الذي يحيلها توزيعاً لمغانم السلطة أو تفجيراً لهذه الاخيرة عند تبيان صعوبة التوزيع السلمي لها.
ليس من الإنصاف في شيء التقليل من أهمية ما حققته المقاومة التي جاءت في إثر جبهة المقاومة الوطنية، إلا أن هذا التتابع بين نوعين من الالتزام بالقضية الوطنية، يبقى علامة على صراع بدأ قبل عقود بين وجهتي نظر في مستقبل لبنان والطريق التي ستُسلك للحفاظ على استقلاله.
في أيلول من العام 1983، كان موعد اللبنانيين مع زلزال جديد لما تمح آثاره بعد هو الذي سببته حرب الجبل. الفصل هذا في تاريخ لبنان الحديث عادة ما يجيء توظيفه وفق المناخ السياسي السائد. تقول خطابات رائجة هذه الأيام أن تلك الحرب لم تكن إلا جولة من المجازر الطائفية والحرب التي شنها طرف بعينه على الجيش اللبناني ليعود الطرف ذاته مؤخراً إلى التغني بالجيش وبطولاته في نهر البارد. وإذا كانت في الحديث عن المجازر الطائفية حقيقة، فإن حقيقة اخرى تتعرض حالياً إلى الاهمال بعدما كانت محور إشادة لا تنقطع في السابق، وخلاصتها أن حرب الجبل والقائمين بها ساهموا مساهمة لا تنكر في إسقاط اتفاق 17 أيار وزج لبنان في حقبة إسرائيلية لعلها استمرت حتى اليوم.
الواقع اللبناني، وفق المثال البليغ لحرب الجبل، يأتي دائماً على جناح التناقضات، حاملاً الشيء ونقيضه في آن. وهذا درس آخر لا يصح أن يفرّط في أهمية استيعابه لمصلحة رؤية تبسيطية أحادية الجانب.
ومع تباشير عودة تلامذة لبنان إلى مدارسهم وصفوفهم، جدير بأهاليهم التطلع إلى تجنيب أبنائهم لتجارب مريرة مثل التي سبقت الاشارة إلى بعضها والتعويض عن تكرار خوض التجارب بإظهار استيعابهم للدروس والاستنتاجات. ومن دون أن يُكنّ المرء إعجاباً مفرطاً بحكمة اللبنانيين إن وجدت ، فمن المبرر القول إنهم أظهروا فهماً للدرس الرئيس المستخلص من تجاربهم الفاشلة: عبثية الانزلاق إلى حرب اهلية جديدة يخرجون منها، جميعاً، مجرجرين اذيال الهزيمة.
غني عن البيان أن الحكمة هذه على قدر عال من الهشاشة ما يجعلها عرضة للانكسار في اي لحظة.
12/9/2007

الصفحات