كتاب " في مهب الثورة " ، تأليف الفضل شلق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب في مهب الثورة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مهب الثورة
القِمة العربية:قليل من الجدية من أجل هيبة مفقودة
يطمح العربي في أن يصير مواطناً في دولته، وفي أن تصير دولته «مواطنة» في النظام العالمي، عله يصير مواطناً في هذا العالم. وقد خاب أمله بالدولة العربية وبالنظام العالمي وبنفسه.
المواطن هو من يكون شريكاً في النظام الذي يدخل في عداده. تتراكم خيبات العرب لأنهم ليسوا شركاء في أي كيان سياسي في هذا العالم، فهم خارجون على النظام. ومن يخرج على النظام يلاحق ويستهدف. هذه حال الأمة، أفراداً ودولاً ومجتمعات.
ليس العربي مواطناً في دولته لأن نظامها يخضعه ويستبد به ويمارس ضده شتى أنواع القسر والإكراه؛ يمنعه من العيش الكريم سواء على الصعيد المعنوي أو المادي. كان يمكن للديموقراطية أن تكون منطلقاً، مجرد بداية للمشاركة. لكنها تنتهي في كل قطر عربي، بما في ذلك لبنان، إلى أن تكون مجرد نظام لعد الأصوات. فالتصويت يجري حسب اتفاقات مسبقة بين قوى تصادر النتائج التي تصنعها سلفاً.
ليست الدول العربية «مواطنة» في هذا النظام العالمي لأنها أضعف من أن تكون لديها القدرة على المشاركة. هي مجرد مسرح (أو مسارح للعمليات) للغير. ربما تحالفت مع قوى عظمى أو إقليمية، لكن هذه التحالفات لا قيمة لها، من الجهة العربية، إلا في ما يتعلق بالتبعية وتعميق الهوة بين الأنظمة العربية، إذ يلتحق كل منها بهذا التيار الدولي أو ذاك.
لسنا شركاء في شيء في هذا العالم، لسنا شركاء في دولنا كأفراد، ليست أنظمتنا شريكة في النظام العالمي كدول، وفي الوقت نفسه فإن مجتمعاتنا مهددة. يأتي الخطر عليها من نظام دولي يستهدفها لما هي عليه، يعتبرها مصدراً للإرهاب. في المقابل تقتنع هذه المجتمعات بأنها تفتقد إلى شيء ما شائع في العالم، إلا لديها. لدى العالم الخارجي إمكان النهوض، مع الديموقراطية أو من دونها، ومع الحداثة أو من دونها، ومع حقوق الإنسان أو من دونها؛ أما نحن فلا أمل بالنهوض. لدينا فقط الهُوية. الهُوية قدمها لنا السلف الصالح. نستغرق أنفسنا في الهُوية، نعيش في الماضي، تتحكم بنا الأصولية، ننقلب على أنفسنا حروباً أهلية كامنة وظاهرة.
كانت وزيرة خارجية أميركا السابقة تقول عنا (بعد أن تضعنا تحت عنوان الإرهاب) يكرهوننا لما نحن عليه كأميركيين. وضعت الإدارة السابقة مشروع «الشرق الأوسط الكبير» لتغيير ما نحن عليه (كعرب). صرنا نخشى من أنفسنا ومن بعضنا البعض، بعد أن كنا نخشى من أنظمتنا، من ظلمها وظلم النظام العالمي لنا ولهذه الأنظمة. صرنا كمجتمعات نخشى من أنفسنا على أنفسنا.
منذ زمن طويل، لم يعد هناك صراع بين مجتمعاتنا وأنظمتنا. أُنهِكَت هذه المجتمعات. هناك فقط صراع داخل هذه المجتمعات وفي ما بينها، بينها وبين نفسها، بينها وبين تاريخها، وهي فاقدة الأمل بالمستقبل. من يفقد الأمل بالمستقبل يضعف عن صنعه. لا يستطيع التطور والنمو. تزدحم نفسه ضد نفسه. ينفجر من الداخل. لكن المجتمعات تستطيع تدبُّر أمر نفسها ولو بعد حين. زمن الشعوب طويل.
الآن جاء دور الأنظمة العربية. زمنها قصير. دول تفكك؛ أخرى على طريق التفكيك. ورؤساء يُسْتدعون إلى المحكمة الدولية؛ آخرون يخشون استدعاءً مماثلاً. تغيير الأنظمة في المنطقة العربية يبقى سياسة للنظام الدولي الذي لا يكنّ أي احترام لدولنا. حتى ما أجمعت عليه الدول العربية ليس محل نظر لدى النظام الدولي. شنت ثلاث حروب ضد العرب بعد إقرار المبادرة السعودية في قمة بيروت عام 2002، وبمباركة النظام الدولي.
الإشكالية الكبرى الراهنة لدى العرب هي عشوائية النظام العالمي الذي يعاني أزمة مالية واقتصادية كبرى، والذي يعاني أيضاً أزمات سياسية متعددة. ليس للنظام العالمي قانون. هناك فقط منطق القوة. حتى في داخل البلدان المتقدمة التي تحكمها ديموقراطيات عريقة تتخبط البرلمانات أمام تسلط الشركات. صرح الرئيس أوباما في برنامج تلفزيوني في الأسبوع الماضي، أن أفعال الشركات المالية الكبرى التي أدت إلى المشاكل والأزمات الأميركية الراهنة هي عبارة عن تصرفات قانونية. ما لم يقله أوباما هو أن النظام الرأسمالي لا يُخضع الجشع للقانون، بل يخضع القانون للجشع، والجشع جوهر النظام. ما لم يستطع أوباما قوله هو أن الرأسمالية لا تخضع لقانون إلا بما يؤدي بها إلى مزيد من الربح. ليس القانون الذي يسنه الناس هو أساس الديموقراطية، بل القانون بما يخدم مصالح الربح والكسب والنصب هو ما تستخدمه الرأسمالية. وما يتعلق بالنهب والإفقار والتشريد للطبقات الدنيا والشعوب الخاضعة ليس عشوائياً تماماً. هناك من يتحكم بالأمور.
ما يدعو للسخرية هو أن يقوّض النظام الدولي الأنظمة العربية، وفي الوقت نفسه، أن تدافع الشعوب العربية عن هذه الأنظمة الاستبدادية. يخشى العرب على أنفسهم من سقوط أنظمتهم. يخشون مما بعده، والخشية مبررة في عالم تتحكم به العشوائية.
بعد أيام تنعقد القمة العربية. لا يطلب العرب من حكّامهم شيئاً سوى الجدية وأن يحترموا أنفسهم، أن يتعاونوا في ما بينهم، أن لا يدعوا خلافاتهم تؤدي إلى إضعافهم بما يؤدي إلى تسويات إقليمية ودولية على حساب مصلحتهم ومصلحة شعوبهم. لا يطلب العرب من أنظمتهم سوى أن تصير دولاً لها هيبة في النظام الدولي كما الهيبة التي لديها على شعوبها.
تأتي الهيبة للمنظومة العربية من تعاونها ومن تغليب الشراكة في ما بينها على الشراكة بين كل منها وقوى خارجية سواء كانت متوسطية أوروبية أو آسيوية أو أميركية. تأتي الهيبة لهذه المنظومة من استعادة المتعلمين العرب الخبراء المتشردين سعياً وراء رزقهم. يمكن لهؤلاء أن يساهموا مساهمة كبرى في تحسين عمل القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، بدل الاتكال على «خبراء» أجانب. تأتي الهيبة لكل حاكم من تبنّيه لرؤيةٍ ما حول المستقبل، فيرتفع النقاش بين الحكام من المسائل والتحديات الشخصية إلى حوارات حول قضايا المستقبل وكيف نصنعه، الخ...
ليس أسهل من أن يكتسب الحكام العرب والجامعة العربية هيبة مفقودة. أي شيء جدي مشترك يفعلونه يكسبهم الهيبة. أم أن القليل المتوقع منهم كثير عليهم؟
27/03/2009