أنت هنا

قراءة كتاب في مهب الثورة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في مهب الثورة

في مهب الثورة

كتاب " في مهب الثورة " ، تأليف الفضل شلق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

خافوا على العنصرية!

وصف الرئيس الإيراني إسرائيل بأنها دولة عنصرية في مؤتمر دوربان 2، فانسحب ممثلو أوروبا احتجاجاً. في اليوم نفسه كان النقاش حامياً على محطات التلفزة الأميركية حول مصافحة الرئيسين أوباما وتشافيز. كثير من الأميركيين رأوا في المصافحة إهانة للكبرياء الأميركية؛ لم يقل أحد إن يد الرئيس الأميركي تنجست من الملامسة، لم تكن هناك حاجة لقول ذلك، إذ العنصرية واضحة في الموقفين.
في العنصرية تنقسم البشرية إلى أعراق أو عناصر منفصلة ينقطع الوصل بينها بالغلبة والقوة حتى ولو كانت الجماعات متجاورة أو متداخلة. ويعتقد الغالبون أنهم متفوقون على المغلوبين، وأن غلبتهم طبيعية، وأنها تعود إلى نظام الكون. يخترعون طبائع وجواهر لكل جماعة ويفترضون أنها هي سبب الغلبة أو الخضوع، وإذا حدثت الغلبة بسبب التقدم والحداثة، فإن ما يتمتع به الغالبون من تقدم وحداثة يعود في نظرهم إلى طبيعتهم، فيعادلون الظواهر الثقافية بالظواهر البيولوجية (الطبيعية). وما من فرد إلا وهو مضطر إلى السلوك حسب «طبيعته» الثقافية - البيولوجية الجماعية؛ لذلك يفرضون العقوبات الجماعية متى خالف فرد من الجماعة المغلوبة القوانين أو السياسات التي يقررها الغالبون. السلوك الفردي، في نظرهم، هو سلوك جماعي في آن معاً: الجينات البيولوجية هي نفسها «جينات ثقافية»، من خرج سلوكه على ما هو متوقع، يعاقَب الفرد والجماعة.
طبقت إسرائيل كل ذلك وأكثر. لم تكتفِ باستيراد شعب كي يحل مكان شعب آخر، بل طردت هذا الآخر وفصلت ما تبقّى منه ووضعت بين الاثنين جداراً عازلاً، جسدته بالإسمنت مؤخراً في ما سُمي جدار الفصل العنصري. طبقت إسرائيل على كل من الشعبين قوانين مختلفة، فهذا شعب يستحق الوجود كما يشاء وذاك لا يستحق الوجود إلا كما يراد له كشعب لاجئين في الشتات على أرضه وفي بلاد الله الواسعة.
تجاهلت الصهوينية وجود الشعب الفلسطيني على أرضه قبل تأسيس دولة إسرائيل وبعده. غريب أن العبقريات اليهودية لم تتوقع أي نوع من المقاومة دفاعاً عن الأرض وساكنيها «الأصليين». في كل مرة ظهرت مقاومة خلال عشرات السنوات الماضية كانت إسرائيل تنزل العقوبات الجماعية بالشعب الفلسطيني وبالشعوب العربية؛ وأحياناً كانت العقوبات الجماعية تتطور إلى حروب ضد العرب كجماعة وأمة. في كل ذلك تناوبت دول الغرب على الدعم والتسليح، وعلى إدانة الفلسطينيين والعرب. مع دول الغرب وقفت شعوبه المدجّنة التي مارست اللاسامية سابقاً، واستمرت في ممارستها المعادية للعرب بتعابير أخرى. هذه المرة يحتضن الغرب اليهود ويمارس العداء للعرب. لكن العداء للعرب لم يقونن في الخطاب الرسمي والجزائي الدولي كما قوننت اللاسامية. وهذا أعلى أنواع العنصرية.
وبالطبع، غابت الولايات المتحدة وإسرائيل كالعادة عن المؤتمر. لكن ممثلي الدول الغربية نظموا عمليات انسحاب مفتعلة من الجلسات. حين ينسحب بعض المؤتمرين ينقطع الحوار. غريب أن دولاً في أعلى مستويات الديموقراطية والحوار داخل مجتمعاتها تمتنع عن الحوار مع ممثلي شعوب أخرى. بدل الحوار، تعلن أحكاماً مسبقة على هؤلاء الآخرين، الذين يفترض بهم أن يخضعوا للنماذج الذهنية التي يفرضها الغالبون، وإن لم يخضعوا فإنهم يعاقبون بشكل أو بآخر. الأهم من ذلك أن إدانة الصهيونية بالعنصرية لا تطال إسرائيل وحدها، بل إنها تطال الغرب بمجمله. فالصهيونية هي وليدة الإمبريالية الغربية التي مارست خلال القرنين الماضيين أشد أشكال العنصرية ضد كل الشعوب غير الغربية.
من يدرس التاريخ لا يفاجأ بما حدث في مؤتمر دوربان 2، الذي عقد في جنيف. في القرن التاسع عشر، وبعد ما يسمى الثورة الصناعية، حدثت فجوة كبرى في التقدم الاقتصادي والعسكري بين أوروبا الغربية وبقية العالم. سيطرت أوروبا الغربية على العالم وتقاسمته. لم تعتقد البلدان الغربية الإمبريالية أن هذه الفجوة مؤقتة، وأنها حصيلة ظروف تاريخية تتغير باستمرار. وهي تتغير الآن انطلاقاً من آسيا الشرقية ولصالحها، كما يبدو من آثار التقدم الاقتصادي السريع الذي تحرزه بلدانها والذي يشمل بلداناً أخرى في أميركا اللاتينية. اعتقدت أوروبا الغربية في القرن التاسع عشر أن ما أحرزته من غلبة هو أمر أبدي؛ سحبت وضعها الراهن آنذاك على الماضي السحيق وأعادت كتابة التاريخ، واعتبرت المستقبل ملكاً لها. تباهت بالغلبة وتقاسمت مناطق العالم تقاسماً سمي إمبريالية. كانت الإمبريالية تجسيداً عملياً لعنصرية غربية قامت على الفصل بين الثقافات والغلبة العسكرية والاعتقاد بالتفوق. ميّزت بين الغرب وما عداه، وبين مواطني الغرب ومن عداهم، واعتبرت أن كل ما هو غربي هو الأرقى والأرفع منزلة والأكثر استحقاقاً للاحترام. طبّقت معايير مختلفة على البشر والمواد المنتجة من كل من الغرب وما عداه.
من رحم الإمبريالية ولدت الصهيونية في القرن التاسع عشر. أسست الصهيونية دولة إسرائيل التي كانت من جملة الدول التي رسمت حدودها الإمبريالية في القرن العشرين. الإمبريالية هي الرأسمالية في مرحلة من مراحل تطورها. والآن، يظن الغرب الرأسمالي بأنه يطهر نفسه من العنصرية الإمبريالية بأن يحصرها في مكان واحد على الكرة الأرضية. من مفارقات التاريخ أن هذا المكان هو الأرض العربية وشعوبها المنهكة بالدكتاتوريات التي يدعمها الغرب، والحروب التي يموّنها الغرب بالسلاح، والإيديولوجيات الأصولية التي نعرف مصدرها، والتخلف الذي لا نعرف من نسأل عنه. هذه المجتمعات المنهكة هي النقطة الأضعف في العالم، وهي التي يمارس فيها الغرب ما تبقى له من غلبة وسيطرة، وهي التي يمارس فيها الغرب عن طريق الصهيونية أبشع أنواع العنصرية.
إن مشكلتنا مع الاحتلال الإسرائيلي، هي مشكلتنا مع العنصرية، هي مشكلتنا مع الإمبريالية الرأسمالية. وهذا ما لم يشأ ممثلو الغرب في هذا المؤتمر مناقشته، فافتعلوا الانسحاب المسرحي.
في خضم حروبنا الأهلية العربية العربية والعربية الإسلامية والإسلامية الإسلامية، يتوجب علينا أن نأخذ بعض الوقت للحوار الجدي والنقاش في المسائل والإشكاليات التي لا يراد لنا الخوض فيها. وهذا واجب النخب الثقافية قبل أي شيء آخر.
24/04/2009

الصفحات