كتاب " مع الشروق " ، تأليف طلال سلمان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مع الشروق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مع الشروق
بعد هذه التحية يمكننا أن نستعرض طبيعة الظروف التي ستواجهها هذه الزميلة الجديدة، الى جانب سائر الصحف العربية، خصوصاً أننا نتوقع منها أن تلعب دورها الطبيعي في خدمة قضايا شعبها هنا في مصر، وأمتها العربية في دنياها الواسعة جميعاً.تقضي الأمانة أن نعترف بقصور قدراتنا عن مواجهة واقعنا العربي المتردي.
لقد تباعدنا كشعوب عربية فقاربنا القطيعة، وهذا أخطر بكثير من التباعد بين السلطات والأنظمة، ففصلت بيننا مسافات هائلة من سوء الفهم أو نقص المعرفة أو التجهيل المقصود، أو التدخل الأجنبي بالقوة أو بالمصالح أو بالفتنة.
ونتيجة لسياسة «يا ربي نفسي» فقد تم تصوير البلاد العربية وكأنها تتناقض بعضها مع بعض في مصالحها، مع أنها تتكامل وتكتسب مزيداً من المنعة وقوة التفاوض إذا ما تقاربت الى حد التكامل. إننا نفتقد الرابط العملي في يومنا، برغم أننا ندرك ـ بوعينا ـ أن غدنا، كعرب، واحد مهما ضعنا عن طريقه أو طمسه أصحاب السلطان لإيهامنا أن لكل منا ـ في بلده ـ قضية مختلفة، والحقيقة، كما تدل عليها التجارب المريرة، وما أكثرها، أن قضايانا، في جوهرها، واحدة، وأن ما يؤذي أي قطر عربي لا يمكن أن يفيد سائر الأقطار العربية...وربما لأن لبنان هو من أصغر الأقطار العربية، فإن التباعد بين العرب يشعره بنوع من اليتم، ولا يعوضه الحضور الأجنبي الكثيف شيئاً، بل لعله يفاقم من إحساسه بأن أهله قد تخلوا عنه وتركوه لمصيره في قلب الصراع الإقليمي والدولي.
أما فلسطين، قضية مهددة بالضياع، وشعباً ممزقاً بالصراعات وسلطة منقسمة على ذاتها، فالظلم الذي لحق وسيلحق بها أفدح، والأذى الذي سيطال شعبها سيطالنا جميعاً، في مصر كما في لبنان، وفي سوريا كما في الأردن، بل في المغرب العربي كما في الجزيرة العربية وضمنها اليمن.. فلا أمن ولا تقدم ولا سلام بغير حل عادل لهذه القضية التي كانت ولا تزال مقدسة، بأرضها كما بحقوق شعبها فيها، وبعروبتها كما بالتضحيات الغالية التي بذلها العرب جميعاً، الى جانب أهلها من أجل تحريرها وإقامة دولة لشعبها فيها.
أما العراق الذي ضيعه الطغيان فجاء الاحتلال الأميركي «وريثاً شرعياً» له وعمل على تمزيقه وتفتيته وإعادة شعبه الى عناصر التكوين الأولى، مما جعله في حرب أهلية مفتوحة ينشغل بنفسه عن هدف التحرير واستعادة كيانه الخطير..
من أجل أن يتخذ «الحوار» مع قارئ «الشروق» سياقه الطبيعي، لا بد من بعض الإضاءة على موقع هذه الكلمات وكاتبها الذي يتشرف برئاسة تحرير جريدة «السفير» في بيروت، والذي يرى أنه مع «الشروق» ستتحقق مقولة شاعرنا الكبير الراحل أمل دنقل «صوتان صوتك، سيفان سيفك».. من خلال السعي لتكامل الدور في خدمة القارئ العربي عموماً.
لقد رضعنا، في لبنان كما في مختلف جهات الأرض العربية، حب مصر أطفالاً، تعلمنا كثيراً، من كتب المبدعين فيها، كما من صحافتها، ومن جامعاتها جاءنا أوائل المتخرجين، ووصل إلينا الكثير من وهج نهضتها الثقافية ثم ثورتها السياسية، ومواجهاتها المتعددة مع قوى السيطرة الأجنبية والاحتلال الإسرائيلي.
مصر هي في وجداننا أكبر من واقعها،
ولعلنا نبالغ، أحيانا، في تصورنا لدورها المفتقد.
لكن ما يشفع لنا أننا وعينا على مصر وهي تقود ولا تقاد، واندفعنا تحت رايات النضال القومي الذي قادته، وامتلأنا بالفخر وجيشها البطل يستعيد زمام المعركة في حرب الاستنزاف التي توّجها النصر المجيد لتحرير الأرض... ثم أحزنتنا الانتكاسة الخطيرة التي مهدت للصلح المنفرد الذي رأينا فيها خطر تفكيك الأمة الى أنظمة متصارعة وأحيانا متخاصمة يقاطع بعضها بعضاً، بل يستقوي بعضها على بعض بالأجنبي، في حين يكاد العدو الإسرائيلي يعجز عن جمع أرباحه الطائلة، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ونفوذاً في الدنيا الواسعة، وداخل بلادنا العربية ذاتها.
إن الوطن العربي يبدو الآن، في غياب مصر عن دورها، كجسد بلا عمود فقري.
ولعل من واجبنا أن نصارح إخواننا في مصر ببعض الحقائق، ومنها:
ان مصر في نظرنا، ليست بلداً للإجازة. ليست بالنسبة للمواطن العربي في كل أرضه، منتجعاً على البحر الأحمر كشرم الشيخ، أو على الساحل الشمالي كمرسى مطروح أو في أقصى الصعيد وعلى ضفاف السد العالي كأسوان.
ثم ان القاهرة عاصمة الدنيا العربية جميعاً، ليس في ذكرياتنا فحسب، بل اننا نحتاجها أشد الحاجة في يومنا وغدنا، بإرثها الحضاري، بجامعاتها ومعاهدها ومكتباتها ومتاحفها ومسارحها، بتاريخها الذي أوله انتصار والذي سياقه دور قيادي عن استحقاق.
ومع إعجابنا بالأهرامات وأبي الهول وسائر التراث الفرعوني العريق، فإن السد العالي والقلعة الصناعية مدنياً وعسكرياً وتوسيع رقعة الأرض المزروعة وكل ما يعزز عناصر القوة والقدرة على الإنجاز، هو ما يعمق موقعنا العاطفي من مصر ويعطيه أبعاده السياسية.
ولسوف نظل نعامل مصر بوصفها القيادة، نحييها ونفخر بالسير في ركابها وهي تواجه لكي تحقق الخير لشعبها ولأمتها... وقد ننتقد سياساتها، بل ربما قسونا ونقسو في نقد تلك السياسة، لأننا ندفع ـ في بلادنا العربية، خارج مصر ـ ندفع مثل المصريين، وربما أكثر، ثمن الأخطاء أو الانحراف عن موجبات دورها الذي لا يعوضه غيرها.
وبصراحة مطلقة: لا يكتمل الإحساس بشرف الانتماء الى العروبة إلا بمصر، التي وعاها جيلي في موقع القيادة والريادة، وهي قلعة المواجهة في الدفاع عن حقوقها، التي هي بعض حقوق الأمة العربية جميعاً.
ان اعتزازي بعروبتي في لبنان هو مصدر وطنيتي، وموقفي من قضايا النضال العربي، وفي الطليعة منها فلسطين، إنما ينبع من إيماني بوحدة المصير، فإن قصّرت مصر أو تاهت بها أقدام قادتها عن الطريق، ضعنا جميعاً.
لقد دفع شعب مصر وجيشها، ودفع شعب سوريا وجيشها، ودفع شعب لبنان وجيشه ومقاومته المجاهدة، مثل ما دفع شعب فلسطين في جهاده المتميز عبر أجيال من أجل حقه في وطنه الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيلي معززاً بقوى الدعم الاستعماري المفتوح.
بل ان شعوب الأمة العربية جميعاً من أقصى مشرقها في اليمن الى أقصى مغربها، مع محطة استثنائية في جزائر المليون شهيد، قد دفعت ثمناً باهظاً من دمائها للحرية والاستقلال والتقدم.
ولقد كانت مصر، بشعبها وجيشها في موقع القيادة عن جدارة، بالتضحيات الغوالي التي قدمتها، والتي بها استحقت أن تقود وأن تحظى بالتقدير الاستثنائي.
ومنذ أن غابت مصر، بغض النظر عن أسباب الغياب الذي نراه قسرياً ومؤذياً لمصر ودورها وكرامة شعبها، تفرّق العرب أيدي سبأ، وذهبت بهم خلافات قياداتهم الى التصادم والقطيعة، بل الى مخالفة العدو ضد إخوتهم في بعض الحالات.
وليس من المغالاة القول ان كثيراً من الأزمات التي تعيشها بلادنا، بأنظمتها وشعوبها، هي من نتاج العجز عن مواجهة المشروع الإسرائيلي، الذي يستبطن أو يشكل رأس حربة، لا فرق، مشروع الهيمنة الأجنبية على منطقتنا الغنية... وهذا العجز أودى بنا الى الاستسلام فخسرنا أو نكاد نخسر أوطاننا إضافة الى فلسطين.
وبصراحة مطلقة نقول: ليس شعب لبنان وحده هو الذي يعيش الآن في الظلال السوداء، للحرب الأهلية، لكن العديد من الأقطار العربية يعيش تحت الظلال نفسها، معلنة كما في السودان، او مموهة كما الحال في الجزائر واليمن، فضلاً عن العراق تحت الاحتلال الاميركي الذي توزع شعبه المفتت والمنقسم على ذاته أرباعاً: ربعه في المنافي القريبة او البعيدة، وربعه في الشتات داخل وطنه، وربعه الثالث مضيع في أوهام الانفصال العنصري بديلاً من وحدته الوطنية، وربعه الأخير تائه في صحراء الجوع والفقر وانعدام الحيلة.
لقد أثقلت بهمومنا في لحظة فرح بميلاد «الشروق»،
عذري أنني وجدتها فرصة طيبة لمخاطبة أهلنا في مصر عبر «الشروق» التي نرى فيها وعداً بصحافة أكثر ارتباطاً بالقضية الوطنية. والصحافة، في نهاية المطاف، ليست مجرد حرفة. إنها مهنة تستبطن قضية، أو أنها قضية تتخذ لها منبراً عبر الصحيفة.اهلاً بـ«الشروق» تعزز قدراتنا من اجل ان نخدم شعوبنا وأمتنا بما تستحق من عقل وعلم وموضوعية وإخلاص وتجرد من الغرض، ومن أفق أوسع لتفكير أعمق بما يتناسب مع المخاطر التي تتهددنا في حاضرنا كما في غدنا.
وليكن التوفيق حليف رفيق السلاح الجديد: الشروق.
(4/2/2009)