كتاب " مع الشروق " ، تأليف طلال سلمان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مع الشروق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مع الشروق
من فلسطين إلى العراق وصولاً إلى لبنان:
الدولة اليهودية نموذجاً لدويلات الطوائف.. عربياً!
كلما انتخب الأميركيون إدارة جديدة استقبلها النظام العربي مرحباً معلناً استعداده لتسهيل مهمتها بتقديم المزيد من التنازلات، مفترضاً أنه بذلك يكسب رضاها فتشفق عليه وتخفف من انحيازها الى التطرف الإسرائيلي الذي ثبت أن لا سقف له، لعل معجزة ما تحصل، فتقود الى تسوية ولو بشروط مجحفة فيرتاح النظام العربي ولو الى حين..
ولأن فلسطين كانت القضية العربية الجامعة، فإن معظم التنازلات كانت تقدم على حسابها: يتخلى النظام العربي عن بعض ثوابت علاقته بها ومسؤولياته عنها، ويغري الطرف الفلسطيني بأن يسلك مسلكاً معتدلاً وعقلانياً، وأن يبتعد عن التطرف، أي عن حقوقه في أرضه، ليسهل عليه مهمة «إقناع» الإدارة الأميركية الجديدة بأن مشكلتها مع إسرائيل لا مع النظام العربي بالعنوان الفلسطيني، تاركاً للقيادة الإسرائيلية الفرصة لمزيد من ابتزاز الإدارة الأميركية بالاستناد الى التنازل العربي المفتوح... وقبل الحديث عن حجم التأثير المباشر للوبي الإسرائيلي على السياسات الأميركية.
دائماً يجد النظام العربي، ومن ضمنه وإن في موقع «الملحق» «السلطة الفلسطينية» التي استولدت بتنازلات تاريخية وتفريط خطير بالحق الثابت لشعبها في أرضه، ما يقدمه لكسب ود الإدارة الأميركية بأمل أن تلاقيه على الحد الأدنى من الأدنى من مطالبه، إشفاقاً عليه من ضعفه، وخوفاً عليه من السقوط، والتسبب بالتالي في إعادة إحياء مشكلات جديدة للاحتلال الإسرائيلي كان قد تخطاها عملياً.. على الأرض!
وفي استعادة سريعة لمسلك النظام العربي مع الإدارات الأميركية المتعاقبة يمكن رصد حجم التنازلات التي قدمها هذا النظام من رصيده الأساسي، أي القضية الفلسطينية التي كانت «مقدسة» فصارت بازاراً مفتوحاً، بل سوقاً للمناقصات: ما يعجز عن تقديمه النظام العربي تبادر «السلطة» الى تقديمه لحسابها مباشرة أو تحت ضغط النظام العربي، بقصد المحافظة على شهادة حسن السلوك، التي عليها أن تدفع ثمنها يومياً لسلطة الاحتلال الإسرائيلي حتى لا تلغيها نهائياً... علماً بأنها باتت الآن أشبه ما يكون بإدارة محلية خاضعة وتابعة للاحتلال.ورهانها الوحيد على «عطف» الإدارة الأميركية واحتياجها إليها لتتمكن واشنطن من الادعاء أمام العرب أنها ليست معادية للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في دويلة منزوعة السلاح على بعض البعض من أرضه، مزنرة بوحوش المستعمرين في المستوطنات التي تبنى على مدار الساعة مستهلكة المزيد من تلك الأرض التي كان يفترض أن يحصل عليها الفلسطينيون بعد مسلسل التنازلات المجانية التي قدموها مباشرة، أو تبرع بتقديمها النظام العربي باسمهم ومن أجلهم، فأفقدهم المزيد من حقوقهم... مجاناً ولوجه الاحتلال الإسرائيلي.
ولا حدود للتنازل عند النظام العربي، يستوي في ذلك أمن الدول التي يحكمها أقطابه أبديا، أو مستقبل هذه الدول التي يتفاقم ضعفها كل يوم بمقدار ما تتعاظم قوة إسرائيل، العسكرية والاقتصادية وبالتالي السياسية، بأفضال ذلك التنازل المزدوج: إذ يقدم العرب من لحم القضية الفلسطينية، ثم تحاول «السلطة» أن تشتري لنفسها موقعاً فتقدم المزيد من «عظم» القضية التي يفترض أن تكون حارسة لها من التبعثر والضياع.