أنت هنا

قراءة كتاب التطور الإبستيمولوجي للخطاب اللساني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التطور الإبستيمولوجي للخطاب اللساني

التطور الإبستيمولوجي للخطاب اللساني

كتاب " التطور الإبستيمولوجي للخطاب اللساني " ، تأليف د. جمعان بن عبد الكريم ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

1 - مقدمة

هل يمكن أن تبقى المرحلة التي مهدت لنشأة البحث اللساني العربي غامضة، ومحاطة بالظلام، كما يذهب إلى ذلك المستشرق الألماني بروكلمان (1)؟ ولماذا هي كذلك؟ أهي تشبه اللغة الإنسانية الأولى حيث البحث في أمر نشأتها هو بحث غيبي ميتافيزقي لاسبيل إلى الوصول فيه إلى دليل قاطع حاسم، أم أن نشأة البحث اللساني العربي قضية تأريخية فكرية خاضعة للدرس والتمحيص، وفي المستطاع الوصول في أمرها إلى حقائق يطمئن إليها المرء.

ثم هل أثّر فكر الأوليات في الخطاب العلمي اللساني العربي؟ أم أن ذلك الفكر استنفد غرضه ببروز النشأة، ولم يمتد بامتداد النحو والدراسات اللسانية الأخرى؟

على الرغم من كثرة الدراسات، التي تناولت مسألة بدايات البحث اللساني العربي إلا أنه لما تزل دواعٍ تأريخية، وإبستيمولوجية متعددة تدفع إلى إعادة الخوض في هذه المسألة؛ عل في ذلك ما قد يؤدي إلى تسليط الضوء على جوانب من المسألة، قد تثري النقاش مرة أخرى على الأقل، أو تدفع بالباحث الجاد إلى مزيد من التأمل؛ للانحياز إلى ما يراه هو الصواب فضلاً عن تسليط الضوء على ملابسات الفكر المصاحب للنشأة، وما قد يكون له من آثار على التطور الإبستيمولوجي للسانيات العربية حتى الآن.

وسوف يقتضي البحث في المسألة العودة إلى مجمل آراء القدماء، ثم بعد ذلك إلى مجمل آراء المحدثين، ثم الانتقال إلى محاولة كشف جوانب من غموض بدايات البحث اللساني العربي، وإزاحة اللثام عن الأسباب الحقيقية لذلك الغموض، يلي ذلك محاولة إبستمولوجية لدراسة ما نتج عن فكر البدايات من آثار في الخطاب العلمي للدرس اللساني.

ولأن الإشكال الفكري والشلل الإبستمولوجي ما يزالان قائمين حتى الآن فإن أخطر ما في هذه المحاولة أنها تكشف عن تأثير حالة ما أسميه (اللاعقل السلفاني) في تحالفاته الطبيعية مع الفكر الأوائلي، ومع كل أوضاع (اللاحرية) كالطغيان، والتسلط والفساد، لوأد مسيرة التطور العلمي ليس للعلوم اللسانية فحسب، بل للإسهام - دون وعي- في وأد مسيرة المنظومة العلمية في الحضارة الإسلامية. وللأسف أن ذلك حدث في الغالب أو في الظاهر باسم الحفاظ على نقاء الإسلام وقوته. والإسلام أنقى وأقوى فهو دين ناصع محجة بيضاء لا يمكن للشوائب أن تعكّره، وهو ليس ضعيفاً بمفاهيمه وقوانينه وأحكامه حتى ينتظر من يحوطه كما يحاط طفل رضيع.

وكان بسبب من ذلك أن تعطّلت ميكانيزمات الإبداع وآليّاته، وتعطّلت كل الإبداعات هنا أو هناك، إلا من فلتات نادرة تظهر كالنجم المضيء، ولا يلبث ليل أعداء العلم والحرية أن يكفِّن تلك النجوم بالسواد.

وعاشت معظم العلوم في الحضارة العربية الإسلامية تدور حول نفسها بالشرح وإعادة الشرح، وشرح إعادة الشرح، وبالحفظ وإعادة الحفظ، وحفظ إعادة الحفظ...

ووقفنا ومشى العالم، ونمنا وأدلج الناس، وعند الصباح يحمد القوم السرى.

ولم يكتفِ الإطار السلفاني بشل المهتمين بالدراسات والعلوم التراثية فحسب بل إنه شمل حتى كثيراً من المتنورين وكثيراً من المفكرين المتأثرين بالدراسات الحديثة لينتقلوا من سلفانيات التراث إلى سلفانية لا إبداع فيها تردد صدى مقولات وأفكار ونظريات علماء الغرب المتقدم لا يقوم الاجتهاد النظري فيها كما يقول بنسالم حِّميش " إلا في القراءة والتأويل، أو في وضع أفكار طريفة توفيقية تكييفية، فينحسر معها الفكر وتضعف قدراته على الإبداع والاكتشاف، أي صنع تراث إضافي جديد. وهكذا يبقى ذلك الاجتهاد النظري دائراً في إطار تبعي، ويعمل كعنصر من تبعية أعمق وأشمل" (2) وإنه ليس من شك أن ذلك ليس فقط بسبب التقدم الباهر للغرب بحيث لا يسع المرء إلا الدوران في فلكه، ولكنه كان أيضاً بسبب من أثر الإطار المعرفي السلفاني الذي غلّف العقول قروناً متطاولة فأحدث مناخات لا تمأسس الإبداع وتختنق بالفكر؛ فكان أن أصبح حتى بعض المفكرين النابذين للتمسلف متمسلفين بالقوة، وجعل من يحاول الإفلات منهم لا يعي أنه يقوم بالتمسلف ذاته ولكن بطريقة أخرى.

إن إدراك المشكلة هو الباب الأول الذي يفتح لحلها، وهذا البحث يقدم ما يحسب أنه نقاش أولي حول إدراك المشكلة، والمؤمل أن تسهم دراسات أخرى في كشف الإشكالات المعقدة لمشكلاتنا الحضارية والمعرفية بالاعتماد على المناهج الحديثة لتحليل الخطاب، والإبستمولوجيا؛ لننتقل إلى أفق معرفي يؤمن بفتح إمكانية الحوار وإمكانية القبول، وإمكانية التنافس، وإمكانية الخيال من دون حدود، عندئذ يمكن أن تكون هنالك مناهج أخرى، وإبستمولوجيا أخرى، وخطابات أخرى، وعالم معرفي آخر.

الصفحات