أنت هنا

قراءة كتاب التطور الإبستيمولوجي للخطاب اللساني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التطور الإبستيمولوجي للخطاب اللساني

التطور الإبستيمولوجي للخطاب اللساني

كتاب " التطور الإبستيمولوجي للخطاب اللساني " ، تأليف د. جمعان بن عبد الكريم ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

ثانياً: مجمل آراء المحدثين

لم يتفق المحدثون على رأي واحد في نشأة البحث اللساني العربي. فبعضهم يتابع القدماء، ويعترف لأبي الأسود بدور في هذه النشأة؛ إمّا بكونه الواضع الحقيقي للنحو كما يقول القدماء، وإمّا بمشاركته في وضع النحو مع نصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن هرمز. مع استبعاد بعض المحدثين للروايات التي تقول بأن واضع النحو الأول هو علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)؛ لأن طبائع الأشياء لا يمكن أن تجعل العقل العربي وصل إلى ذلك القدر من التجريد في تلك الفترة المبكرة إضافة إلى أن في انشغال علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ما يبعده عن التفرغ لوضع النحو، وأيضاً لما يُشمُّ من رائحة تشيّع واضحة في الروايات التي نسبت وضع النحو إليه.

وهناك فريق يذهب إلى تأثّر أبي الأسود الدؤلي باليونان في وضعه للنحو، كالمستشرق دي لاسي أوليري، ويردُّ هذا الرأي أنّ المترجمات عن اليونان المباشرة، وغير المباشرة قد حدثت في فترة متأخرة عن عصر أبي الأسود، فضلاً عن أنّه لم يؤثر أي اتصال يذكر بين العرب واليونانيين في فترة أبي الأسود الدؤلي أي في القرن الأوّل الهجري.

وقد ذهب فريق آخر من المحدثين إلى أنّ أبا الأسود قد اقتبس نقط الإعراب من السريانية، وأشهر من ذهب إلى ذلك جرجي زيدان، وأنيس فريحة، ود. حسن عون، ود. جواد علي، ود. إبراهيم السامرائي، بل حاول جرجي زيدان، وأنيس فريحة أن يثبتا الأثر السرياني حتّى في تبويب النحو (9). ولكنّ كلَّ تلك المحاولات التي تحاول ردَّ بداية البحث اللساني في العربية إلى السريانية لا يرفدها وجود دليل تاريخي قاطع بذلك، ثم إنّ الحركات السريانية الخاصة بالإعجام قد وُضعت على الراجح في فترة متزامنة مع صنيع أبي الأسود، وقد كان نقط أبي الأسود للحركات يختلف كلياً في طبيعته عن نقط الإعجام الذي صنعه يوسف الأهوازي النسطوري أستاذ مدرسة نصيبين (ت580م) (10).

والأقرب إلى الصواب في أمر تأثّر البحث اللساني العربي في أوّلياته بالأمم الأخرى أنَّ ذلك لم يثبت، وهذا الرأي الأخير يؤكده كبار المستشرقين كبروكلمان، وديبور (11).

وهناك من المحدثين من أنكر حتّى الروايات التي تنسب إلى أبي الأسود وضع النحو أو حتى لنصر بن عاصم، أو يحيى بن يعمر؛ لأن عمل هؤلاء جميعاً كان في أمر نقط المصحف بنوعيه. ولذلك فإن أبا الأسود عندهم قد قام بتأسيس العربية؛ وفرق بين العربية وبين النحو (12).

وكذلك ذهب أحمد أمين إلى التشكيك في وضع أبي الأسود للنحو، بل إنَّه شبَّه الرواية عن أبي الأسود في هذا الخصوص بما ورد في كتاب البيروني أنَّ أحد ملوك الهند كان يوماً في حوض مع نسائه فقال لإحداهن: "ماود كندهي" أي لا ترشّي عليَّ الماء. فظنَّت أنَّه يقول: "مود كندهي "أي احملي حلوى. فذهبت فأقبلت بها. فأنكر الملك فعلها. فخاشنته إلى أن جاءه أحد علمائهم، وسلّى عنه بأن وعده تعليم النحو والصرف وذهب إلى (مهاديو) مصلياً متضرعاً، إلى أن ظهر له وأعطاه قوانين يسيرة، ووعده بالمزيد فيما بعد. ويقول أحمد أمين معلِّقاً على هذه الحكاية الهندية: "أخشى أن تكون حكاية أبي الأسود قد وُضعت في العربية على نمط الحكاية الهندية" (13).

وهناك من يذهب إلى أنَّ واضع النحو الحقيقي هو عبد الله بن أبي إسحاق (ت117هـ )، "حيث لم يوجد في كتاب سيبويه ولا فيما بعده من الكتب أيُّ رأي نحوي منسوب إلى أبي الأسود، وإلى طبقتين من النحاة معه وعبد الله بن أبي إسحاق (ت117هـ) هو أقدم من أُسند إليه رأي فـيالنـحو، ومـن ثـمَّ فـهو أوّل النحاة بالمـعنى الفـنّي" (14). أما بروكلمان، فيذهب إلى أنَّ الواضع الحقيقي للنحو هو الخليل، وسيبويه من بعده (15).

وفيما يلي عرض مفصَّل لثلاثة من آراء المحدثين (16)؛ لزيادة إيضاح ملابسات النشأة التأريخية للسانيات العربية ممثّلةً في النحو.

أوّلاً: رأي د. علي أبو المكارم في كتابه " تأريخ النحو العربي حتى أواخر القرن الثالث الهجري " الصادر في عام 1391هـ/1971م، ويبدو أنّه لم يغيّر رأيه، حيث أكّد في محاضراته بهذا الخصوص (17) في 23/5/1414هـ على جملة مقدِّمات مهمَّة هي:

1- أن شيوع الآراء لا يعني صحتها؛ لأن الشيوع ليس دليلاً كافياً على الصحة.

2- أن تضافر الروايات لا يغني عن تحليلها.

3- والمقدمة الثالثة تتعلق بالفرض العلمي الذي هو أسلوب من أساليب البحث، والفرض، كما يقول د. علي أبو المكارم: ليس قفزا في الفراغ، وإنّما هو موقف علميٌّ لابدَّ أن يعتمد على اتساق المقدمات مع النتائج.

وبعد القيام بنقد بعض الروايات سنداً ومتناً...، ودراسة شخصية أبي الأسود الدؤلي؛ فإنه من المستبعد أن يكون أبو الأسود هو واضع أبواب النحو، وما فيها من تقسيمات، ولكنَّه يرجع فيقول: "وهذا كله يسلمنا إلى أن نقرر أنّ أبا الأسود ليس أصلح شخصيّة يمكن أن يُنسب إليها وضع النحو فحسب، بل هو ـ بالفعل ـ الواضع الأول للنحو العربي، وأوّل من ارتاد بموقفه الشجاع (من نقط المصحف) الطريق إلى الدراسات اللغوية بأسرها" (18).

ثانياً: رأي د. عبدالكريم بن محمد الحسن بكار في كتابه "ابن عباس مؤسس علوم العربية" الصادر في عام 1411هـ 1990م، حيث يقول: "المنهج الإسلامي في البحث يقوم على القاعدة الذهبية (إن كنت ناقلاً فالصحة وإن كنت مدعياً فالدليل)، والروايات التي تنمي وضع النحو إلى أبي الأسود كثيرة وصحيحة ممّا يجعل تجاهلها، وضرب عرض الحائط بها نوعاً من الهدم لأصول الرواية عندنا،... وعندي أنَّ عدم وقوف كثير من الباحثين على الملاحظات النحوية التي ثبتت عن ابن عباس جعلهم يعدُّون عمل أبي الأسود ضرباً من النشوز عن المعطيات الثقافية، والعقلية في عصره... وإنَّ ماورد عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في هذا المضمار أولى بجعله البداية الحقيقة للتفكير النحوي" (19).

الصفحات