أنت هنا

قراءة كتاب القار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القار

القار

كتاب " القار " ، تأليف علوان السهيمي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 6

مع الوقت أيقنت بأنني في المكان الخطأ كزهرة نبتت على الأسفلت، فالمرء لا يشعر بأنه في المكان الخاطئ إلا إذا تيقن بأنه في وسط لا يمثّله البتة. في بداية الأمر شعرت بأن جمالي سيكون دافعاً لهن لاحترامي فوق العادة، لكنني ومع مرور الوقت تأكدت إلى أي مدى يمكن أن يكون الجمال لعنة، فما أصعب أن تستفز أقواماً في دمامتهم!. صحيح أن عبده وأسرته لم يعاملوني بجفاء إزاء جمالي يوماً، لكن ما أقسى أن تجد امرأة بين الفينة والأخرى تردد عليك سؤالاً واحداً لا غير: «هل تعتقدين بأنني جميلة هكذا؟».

خرجتُ حينها من جوهر هذياني على أصوات الكعوب التي تحدث دوياً على بلاط البيت لألتفت وأجد خالتي أم عبده وابنتها الصغرى حسينة قبالتي، كانتا في أجمل ثيابهما، متأنقتين بشكل مهيب جداً، قبّلتهما مبتسمة، وحين طبعت قبلة على خد حسينة البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً أو تزيد قليلاً همست في أذنها «أنت جميلة جداً». نظرت إلي فَرِحة، نظرت إلي كطفل سعيد بهدية، ولم يكن منها إلا أن قبّلتني مرة أخرى على خدي بقوة لدرجة شعرت معها بأثر هذه القبلة بعد منتصف الليل حينما أردت أن أنام، فأكثر ما يبهج المرأة أن تدلل جمالها بعبارات مقتضبة، فإن كانت الدمامة شيئاً يدخل الحسرة في النفس، فالإطراء على الحسن شيء يدخل في النفس بهجة لا تضاهى.

بدأ توافد الضيوف، وبين الفينة والأخرى تدخل امرأة أو اثنتان حتى امتلأت الصالة، وبدأت اشتمّ رائحة النميمة، لقد كن على العموم من جيران صالحة وأم عبده. لم يكن العدد لافتاً، لكنني كنت على ثقة بأن الله يغفر للنساء نميمتهن، لأنهن خلقن هكذا، لذا لم أكن أشعر بأن الأحاديث التي يدلقنها النساء في مجالسهن سيأخذها الله على محمل الجد. بقينا نتحدث لأكثر من ساعة، أنا البيضاء الوحيدة في هذا السائل الذي يشبه القار، لكن ما كان يدهشني حقاً أناقة النساء آنذاك، وطريقتهن في اختيار ملابسهن، على الرغم من التكرار الفظيع جداً للون الأبيض في كل ما يلبسنه.

جاءت صالحة بالأطباق بعد أن ناولت زوجها الطعام من خلف الباب، وبعدما فرشت أختها الجميلة حسينة سفرة على الأرض في الحجرة المجاورة.. أردت أن أساعدهن في تحضير الغداء لكن خالتي أم عبده أقسمت عليّ بألا أقوم، فالبنات كما تقول سيحضرن الطعام. كان الغداء عبارة عن طبق سمك كبير، وأرز أسود يطلق عليه السعوديون اسم «صيادية»، وعدد من الإدامات، وأكلة شعبية يعجنّ فيها الخبز مع الموز يطلقون عليها مسمى «معصوب». وكان ثمة فواكه متعددة، وعبوتان كبيرتان لمشروب غازي، وحشد هائل من النساء. بعدما تم تجهيز السفرة، دعتنا خالتي للجلوس، وتناول الطعام، وطلبت مني أن أسمي الله، وأبدأ في الأكل، فترددت قليلاً، فعرفت صالحة أنني أواجه أزمة يصعب عليّ الخروج منها، فأنا لا آكل بيدي، فقفزت إلى المطبخ وجاءتني بملعقة مغسولة بشكل جيد. أخذنا نأكل ونتحدث، لكنني لا أنسى ما قالته إحدى الموجودات موجهة كلامها لي:

- لا داعي لأن تتكلفي في الأكل، كوني على سجيّتك، بإمكانك أن تأكلي بيدك، ووضع هذه الملعقة جانباً.

وحينما أردت أن أرد عليها سمعت صوت صالحة يأتيني ضاحكاً:

- يبدو أنها المرة الأولى التي تأكلين فيها أكلات شعبية سعودية يا سحر.

فنظرت إليها مبتسمة، وقد عرفت بأنها تريد تغيير مجرى الحديث فقلت:

- نعم هي المرة الأولى، لكنه أكل لذيذ فعلاً، أنت تجيدين الطبخ بشكل لا يقاوم.

وابتسمت. عندها قالت إحدى الحاضرات:

- تعالي لزيارتي في أي وقت، وستدركين بأن طبخ صالحة غير لذيذ مقارنة بما أطبخه.

- أتشرف بذلك.

فردت عليها صالحة بطريقة لا تخلو من الضيق قائلة:

- لو أن طبخك لذيذ كما تقولين ما كان زوجك دائم التواجد عند حسين – تقصد زوجها – لاسيما في أوقات الوجبات!

فقالت تلك المرأة متعجبة:

- ماذا تقصدين؟ وما دخل تواجده عندكم بما أطبخه؟

الصفحات