أنت هنا

قراءة كتاب في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه

كتاب " في وادي الوطن - مقاربات في شؤون لبنان وشجونه " ، تأليف حبيب صادق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

الفصل الأول: على هامش الثقافة وأهلها وهيئاتها

الفاعلة في التنوع الثقافي وضرورة الحوار (1)

إسمحوا لنا أن نمهِّد لهذا اللقاء الحواري بإرسال موجز من القول في عنواني التنوع الثقافي والحوار موضوع هذا اللقاء الحواري في حاضرة الجنوب: النبطية.

أولاً: في التنـوُّع

ليس من المبالغة في شيء القول أنَّ المجتمع اللبناني يأتي في مقدم المجتمعات في العالم من حيث قيام بنيته الاجتماعية على أساس التنوع، تاريخياً، من هنا نشأت الضرورة إلى اعتماد منهج الحوار المسؤول بغية التأسيس لوحدة وطنية حقيقية فيه، لا تقوم على حساب التنوع تجنباً للوقوع في الوحدة القهرية، كما لا تقوم على الإطلاق التعددي تجنباً للوقوع في الفوضى المدمِّرة.

والتنوع، بكل عناوينه، احتلَّ في عصرنا مكانة الحق الثابت من حقوق الإنسان وحقوق الشعوب. من هنا جرى النص عليه في الشرائع والمعاهدات الدولية، ولعلَّ آخر نص في شأن عنوان وازن من عناوين التنوع، ظهر في تلك المعاهدة التي صدرت عن منظمة الأونسكو بتاريخ 20 تشرين أول 2005 حول "التنوع الثقافي" والتي تجيز للدول كافة اتخاذ "التدابير التي تراها مناسبة لحماية تراثها الثقافي".

وليس من الغرابة في شيء أن تعارض هذه المعاهدة دولتان اثنتان فقط لا غير من دول العالم هما: الولايات المتحدة وإسرائيل في حين صادقت عليها 148 دولة.

ثانياً: في الحـوار

في الراهن من أمرنا بات الحوار مفردة تلوكها الألسن من كل الجهات ومن شتى المواقع وباتت الدعوة إلى الحوار مُلكاً مشاعاً بحيث لم يعد ثمة من هيئة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية في لبنان إلَّا وتتوجَّه، على نحوٍ مستمر، بهذه المفردة إلى الهيئات الأخرى على تفاوت في حدَّة الخطاب وليونته.

لذلك بات المواطنون في حيرة من أمرهم، وفي توجُّس مقلق لكثرة الداعين إلى الحوار ولقلَّة المستجيبين لهذا السبب أو ذاك...

بيد أنَّ الدعوة إلى الحوار، كما تقضي الأصول المنطقية، لا يستقيم أمرها إلَّا بتوافر شروط مُلزمة يأتي في مقدمها شرط الاعتراف بالآخر المخالف، مبنياً على أساس الثقة به واحترامه، ثم شرط الاعتراف بحقه في انتقادك موضوعياً، على أن تسبقه، من قبلك، عملية نقد ذاتي، لأنَّ النهج الصائب والمثمر للحوار يستدعي، إضافة إلى الثقة بالآخر المخالف واحترامه، ممارسة النقد الذاتي قبل انتقاد الآخر بلغة المودة وروح الاستقامة والتسامح والانفتاح.

أما هدف الحوار الأسمى فالبحث عن الحقيقة النسبية التي لا يستطيع أحد، مهما أوتي من قدرات، أن يمتلك حقّها حصرياً. لذلك تدعو الضرورة إلى رسم طريق للحوار في أن يتبادل أطراف النزاع وجهات النظر، بصدق وشفافية، في سياق مسعى موضوعي عقلاني إلى تكوين اقتناعات مشتركة. وهذا لا يعني أن المطلوب من الحوار أن يقود إلى تماثل تام في الاقتناع لدى الأطراف كافة بل إلى اقتناعات مشتركة في ما بينهم، والتأسيس عليها لبلورة المشروع الوفاقي الوطني البنَّاء.

ومهما يكن من أمر فإنَّ مقتل أي حوار يتجسَّد في اللجوء إلى العنف الكلامي أو التهديد به كأن يلجأ أحد المتحاورين، مثلاً، إلى إشهار سيف التجريح أو التخوين أو التكفير في وجه الآخر المخالف. فالتوسل بلغة العنف، وصولاً إلى الغلبة، يقضي، قضاءً مبرماً، على إمكان الوقوف على رأي الآخر ويقضي، استطراداً، على أي احتمال للانفتاح والتواصل فالتوافق.

ويؤسفنا، بالغ الأسف، أن نقع، في المشهد السياسي الراهن في لبنان، على كثير من خطب التعنيف والتجريح بل التخوين والتكفير التي يتبادلها الناطقون باسم الأحزاب والطوائف والمذاهب والتيارات السياسية والطائفية والتي تسارع أجهزة الإعلام المختلفة إلى تسويقها والترويج لها، بأساليب التهييج والتعبئة، آناء الليل وأطراف النهار، ومن شأن ذلك أن يوسع الشقة بين المتحاورين وصولاً إلى انغلاق الآفاق أمامهم كافة...

في ضوء هذا الواقع المأزوم للغاية ما السبيل إلى اكتشاف منفذٍ يفضي إلى حوارٍ وطني حقيقي يتسم بروح الانفتاح والتواصل فالتوافق على المشترك من الاقتناعات؟

لعلَّنا نجد معالم هذا السبيل في ما أرسله من قول مضيء سماحة المرجع السيد محمد حسين فضل الله حيث قال: "إنَّ الحوار الذي نؤمن به هو الحوار الموضوعي العقلاني الذي لا يحمل في طيَّاته أي عدوان ضد الآخر.. (السفير 22/11/2005).

وفي نداء سماحته إلى اللبنانيين حيث جاء فيه "أيها اللبنانيون: ارحموا بلدكم لبنان.. لا تكن طوائفكم منطلقاً للعداوة والبغضاء... أيها اللبنانيون: الوحدة، الوحدة المنفتحة على قضايا الحرية والاستقلال والإنسان الباحث عن مستقبله..." (النهار 20/12/2005).

كما يمكن أن تلتمس هذه المعالم، أيضاً، في كلام مضيء آخر أطلقه شيخ الصحافة اللبنانية الأستاذ غسان تويني، بكل رباطة جأش وروح تسامح شامخة، أمام جثمان نجله الشهيد جبران حيث قال: "... هناك أكثر من رأي وأكثر من موقف لذلك ينبغي أن لا يلغي رأي رأياً ولا يلغي موقف، أكثرياً كان أم أقلياً، بقية المواقف ويستأثر وحده بحق اتخاذ القرار الوطني..." (النهار 12/12/2005). وأضاف متعالياً على جرحه النازف: "أدعو إلى أن ندفن مع جبران الأحقاد كلها والكلام الخلافي كله"...

فمتى، متى نصغي، بنقاوة ضمير وصفاء نيَّة، إلى هذا الكلام المضيء؟!

ومتى ننطلق من كل مواقع الائتلاف والاختلاف إلى حوار التنوع العقلاني لإنجاز مشروع الوحدة في التنوع؟

هل سنظل ضحايا نزعة الغلبة لقوة المصالح على قوة القيم؟

أم أن الشرط التاريخي لتأسيس لبنان جديد لم تتوافر عناصره بعد؟؟

أم هي الأسئلة المتحدية، قديمها والجديد، ستظل تطاردنا إلى ما لا نهاية؟؟

الصفحات