قراءة كتاب محمد الصدر - كفاح الجماهير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محمد الصدر - كفاح الجماهير

محمد الصدر - كفاح الجماهير

كتاب " محمد الصدر - كفاح الجماهير " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 2

إذن تستمر الحالة العراقية محتفظة بالكثير من الكمائن الخاصة التي تصيب أية مقاربة بالكثير من التعثر. وهذه الكمائن سوف تكون خسائرها أفدح لمن يبتغي صياغة تيار ثوري أو ممانع لا يراعي كل هذه العناصر المعقدة. فالقوة الجماهيرية لوحدها لا تكفي لبناء تيار كهذا، وإنما قد تودي بالجماهير وببنية التيار نفسه بأفدح الخسائر، لأنّ هناك فرقاً كبيراً بين الثورة والمغامرة، وكذلك بين الامتناع وبين الممانعة. فالأولى محض سلب واكتفاء، بينما الثانية موقف مركّب يتطلب الكثير من التثبت وإيجاد قدرة الإرادة في توازن المصالح والمبادىء والخروج بكفاءة على تمثيل الجموع بما يخدم الإبقاء على صوتها مؤثراً في صنع المستقبل.

وأمام هذا الامتحان لمناهج القراءة ومعالجات الكتابة، يبدو أنه يتوجب عليَّ أولاً تقديم اعترافاً وتوضيح. فأما الاعتراف فهو أن هذا الكتاب جزء من حلقات الامتناع والممانعة، التي أنجزنا منها حتى الآن كتابين: «دع العاصفة تزمجر أكثر، يوميات في مقاومة الخراب العراقي»، و«العراق الجديد-الامتناع والممانعة» وسوف يتلوهما كتابان آخران. لكن نظراً لطول الحديث عن مشكلات التيار الصدري وصخب التخطئة والدفاع من جانب، وتميّزه بأسلوب الخطابية ومنهجها، وتدخل مواضيع فقهية وتاريخية وعقائدية وغيرها من أسلحة النقد القديمة أو المعاصرة من جانب آخر، فإنَّ عزل هذه الأوراق لوحدها كان هو الأسلم من الناحية المنهجية. هذا بالإضافة إلى كون مسألة التيار الصدري تحتاج إلى كتاب خاص بها، بعدما باتت مثقلة بالكثير من الأقنعة والتشويهات والإبهامات والاتهامات، سواء من داخلها وضمن المنتمين إليها، أو من قبل الأطراف الخارجية المعادية لها. إذن فهذا الكتاب هو جزء من تلك الحلقات؛ فالتيار الصدري هو أحد تيارات الممانعة دون أدنى شك، لكن هذا التحديد فيه التباس شديد سوف توضحه الأوراق المقبلة والفصول الآتية.

فالتيار الصدري ليس تيار ممانعة سياسياً فقط وإنما ثقافي أيضاً، خصوصاً وأن الصدر الثاني ظهر في زمن المد الوهابي الجديد في العراق الذي انتشر بفضل الحصار الاقتصادي على العراق في تسعينيات القرن العشرين، وضعف المدارس الدينية والثقافية بسبب قمع السلطة البعثية واستمرارها في تصفية العقول والكوادر العلمية؛ فكان ظهور الصدر الثاني تجديداً لمواجهة العقيدة الوهابية المدمرة والتي لها تاريخ طويل في الإجرام ونشر التخلف وسفك الدماء منذ مجزرة كربلاء التي ارتكبها الأمير عبد العزيز بن سعود في 22 نيسان/أبريل عام 1802، والتي استمرت على شكل غزوات مسلحة أو حملات إعلامية أو ممارسات تهجير، فكان ظهور الصدر الثاني بمشروعه ذاك بمثابة تحدٍّ مزدوج للسلطة البعثية في الداخل وسلطة شيوخ العقيدة الوهابية ومن هم تحت إمرتهم من زعماء حكومات وتجار مذهبيين. وطبيعي أن يشتد العداء بين العقيدة الوهابية ومموليها الطائفيين ومدرسة الصدر كونها مدرسة نقد فلسفي أولاً وذات قدرة جماهيرية ثانياً. والعقيدة الوهابية عانت كثيراً من عدم قدرتها إلى اختراق الجماهيرية العراقية وتحولها إلى عقيدة شعبية واسعة كما حصل في دول الخليج ومصر والجزائر، بينما ضلت الوهابية تعتبر العقل والفلسفة، أموراً مضللة، داعية إلى التشبث بحرفية النصوص، كما هو معروف عنها.

وهذه المميزات للصدر الثاني والمدرسة الصدرية هي التي سوف تجعل التيار الصدري يتحمل عبئاً كبيراً بعد عملية اغتيال الفقيه الكبير محمد محمد صادق الصدر قبل بناء كوادر مؤهلة لهذه الممانعة المزدوجة، لكون هذه الخصائص تتطلب تأهيلاً علمياً وقدرة في المحاورة والخطاب، عالية جداً، وهو ما يتعذر بناؤه في زمن قصير، الأمر الذي يفسّر عنف الاصطدام الذي واجهه التيار الصدري من قبل خلايا الإرهاب الطائفي المسلح، وبقاءه وحيداً في ميدان الصراع المذهبي في الفترة بين عامي 2004-2007، بل قد يقودنا هذا التحليل إلى التشكيك بتأثير قوى خارجية مذهبية بالضربات الموجعة التي تلقاها التيار الصدري دون غيره. فقد أدركت قوى الطائفية أن الأطراف الأخرى ليس لها من الدين سوى الصبغة فقط، فهي قوى سياسية طامحة للسلطة في الأساس، بخلاف التيار الصدري الذي هو تيار ممانعة مزدوج. وهذا ما دعا الكثير من الأطراف داخل التيار الصدري كي تخفف عن كاهلها وتنزلق صوب المشاكل السياسية فقط، بعد أن أنهكت في دفاعها ضد الهجوم الطائفي الكاسح في تلك الأعوام، وبهذا فَقَدَ التيار الصدري مكانته الثقافية ورصيده السياسي معاً تاركاً الساحة لخصومه على طبق من ذهب!

هذا بالإضافة إلى نقد مدرسة الصدر المعروف للخطاب القومي باعتبار أن مدرسة الصدر هي مدرسة برهانية، مثل ملاحظة الصدر الأول المعروفة في مقدمة كتابه «اقتصادنا» حيث قال:

«إن القومية ليست إلا رابطة تاريخية ولغوية وليست فلسفة ذات مبادىء ولا عقيدة ذات أسس بل حيادية بطبيعتها تجاه تخلف الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والعقائدية والدينية، وهي لذلك بحاجة إلى الأخذ بوجهة نظر معينة تجاه الكون والحياة وفلسفة خاصة تصوغ على أساسها معالم حضارتها ونهضتها وتنظيمها الاجتماعي».

بينما أوضح الصدر الثاني في كتاب «اليوم الموعود» هشاشة القومية بأن يكون لها تأثير حقيقي في صياغة بنى الدولة ومشروع الترشيد الاجتماعي العام؛ في حين أن تلقي المحيط العربي لنهاية الطاغية في بغداد، كان عبر فكرة أن هذا السقوط هو سقوط لخطاب القومية العربية وصعود المنافس المذهبي التاريخي لعقيدة الأكثرية العربية، الأمر الذي يستدعي هجمة جهادية يتحد فيها القوميون والأصوليون التكفيريون، معاً ضد هذا العدو المشترك، باعتبار أن القومية والوهابية جزء من وسائل السلطان. وهذا ما يفسر قسوة المذابح التي جرت في العراق، وكونها ظاهرة لا مثيل لها في التاريخ الحديث، لا من حيث الدماء والمجازر والإبادة الإنسانية الوحشية المروعة، وإنما من حيث قوة الصمت وهيمنة التزوير الإعلامي العجيب أيضاً. بالإضافة إلى أن مدرسة الصدر سبق أن قدّمت نقداً مستفيضاً للمشروع الغربي وفككت أطروحاته منذ زمن بعيد، وهذا ما يستدعي القول إن مدرسة الصدر لا بد أن تكون في مقدمة المواجهة لكل هؤلاء الخصوم المختلفين. إنه وضع كان يجب على التيار الصدري أن يواجهه في أكثر من معركة وليس دفعة واحدة، وهو ما لم تقدّره جملة من شرائح وقيادات التيار الصدري، لكونها قيادات غفلت عن تراث مدرسة الصدر نفسه ولم تنتبه إليه إلا بعد مضي أكثر من خمسة أعوام على احتلال العراق وتنامي الحروب الطائفية فيه وتدخل جميع القوى الخارجية في قراراته، الأمر الذي يعني أن مدرسة الصدر ستبقى تواجه الكثير من الصراعات حتى لو تمّت تسوية جميع خلافاتها السياسية. إنها نقطة جديرة بإعادة التأمل فيها لمن يريد إعادة بناء التيار الصدري وتجديده، تخلصاً من خلافات وصراعات على قضايا صغرى هامشية تستنزف الطاقة وتهدر الوقت بدون أية حصيلة نافعة. لكن كيف يحصل ذلك، وميزة كل تيار للفقراء والضعفاء أن يكون قاسياً جداً تجاه الناقدين المتعاطفين معه أكثر من الآخرين الذين يبغضونه! خصوصاً وأن التيار الصدري نفسه أخذ ينحو نحواً إنشائياً تعبوياً متناسياً أن القيمة الجوهرية لمدرسة الصدر هي النقدية، وأن أنجع الوسائل وأنجحها، حسب تجربة الصدرين الملموسة، في محاربة السلطان وفضحه هي الولاء للبرهان والتمسّك به دون سواه.

الصفحات