قراءة كتاب محمد الصدر - كفاح الجماهير

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محمد الصدر - كفاح الجماهير

محمد الصدر - كفاح الجماهير

كتاب " محمد الصدر - كفاح الجماهير " ، تأليف عبد اللطيف الحرز ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

نعني بالتيار الصدري هو ذاك الذي أنجزه الصدر الثاني في إعادة إصلاح العمل الديني والارتباط الاجتماعي. فالتيار فكرة وليس شخصاً فنقع في تقديس الأسماء وتكثير الألقاب. وهو تيار يجب أن يتجدد لكونه مرتبطاً بالمجتمع، والتجديد دليل على حيوية النظرية ونشاط العمل والجماعة وإعادة الروح والمثابرة للفرد والمجتمع.

إنّ التجديد الذي نتحدّث عنه يبرز ويؤكد مدى استعداد المفهوم أن يطبق وكذلك استعداد الأفراد والجماعات أن يكونوا أوفياء لعقيدتهم وأفكارهم، وإلا لسقطنا في التجريد العقيم على الصعيد النظري، وفي الازدواجية والنفاق على مستوى السلوك.

إذن هناك خطأ ارتكبه بعض من حملوا اسم الصدر، حيث تكاثرت الألقاب وانتفخت الصفات وتعالت التقديسات وتزاحمت الأنوات وتصادمت النرجسيات الفردية والجماعية، حتى وصل الأمر إلى حد استخدام الآيات القرآنية ولصق أسماء أناس عاديين بأسماء تاريخية هي ملك للجميع وليست حكراً على فئة بعينها. فإذا بالإمام الحسين يقترن بهذا الاسم وذاك، والمهدي صندوق سري لعائلة هذا الحزب أو تلك الجماعة. ولست أدري إذا كان فلان هو حسين العصر. فما يربطنا إذن بحسين الماضي وما النفع فيه؟! وإذا كان فلان هو شهيد المحراب فماذا أبقينا لعلي بن أبي طالب؟!

هذا بالنسبة للمؤيدين للتيار، أما بالنسبة للرافضين له، فيجب أن يتبين في ضوء ما وردَ سابقاً أن التيار الصدري ليس هو تحشيد ضد المرجعية ولا هو أداة شقاق ضد المجتمع. كيف وهو يعتمد على خطى مرجع كبير وفقيه من فقهاء المسلمين لم يقدح أحد لا بعلميته ولا بتقواه. وكيف يكون التيار ضد المجتمع وامتياز التيار مبني على الوضوح من الموقف الجماهيري؟!

بمعنى أن للتيار الصدري ميزة مزدوجة: عدم اعتبار الجماهير محض عوام وغوغاء، وكذلك ارتباط الجماهير بقيادة مشاركة للفقيه تسعى لتغيير الواقع. فالتيار الصدري بعلاقته بالمرجعية ليس تحطيماً وإنما إعادة نظر، والعلاقة هنا مع الفقيه ليست الرفض وإنما التوجيه ووثبة لاختيار الواعي الذي يشكل مرحلة أعمق من مجرد علاقة المُقلِّد بالمرجع والفقيه في مجال الفتوى العبادية. فالواجب هنا واجب عام موجه نحو صياغة وعي جماعي وليس محض أداء ما في الذمة لكل شخص بمفرده.

إن مَن يقف موقف الضدّ من المرجعية بشكل مطلق وبدون برهان أو دليل، هو آلة تفرقة للمذهب والناس والمجتمع، وهذا مناقض لروح التيار الصدري القائم على جمع شتات جميع الناس وإعادة تفعيل نشاطهم كذات واحدة لها ذات التطلعات والهموم.

لكن علينا أن نحذر هنا فنميز بين ولاءين للحوزة والمرجعية وكل قيادة تطرح نفسها ممثلة للشعب أو ناطقة باسمه أو موجهة له ولو من موقع الانتماء أو منصب الإفتاء: الولاء الأعمى والتقليدي والذي يصل إلى حدّ التقديس المطلق لرجل الدين أو القيادي المتصدي، حتى لو كان سلوك هذا الرجل ضد الواقع الضروري ومناقضاً للمصلحة اليقينية، حيث يجري الصراخ وتدبيج تأويلات رنانة لكنها فارغة ومكررة. وهذا بالتأكيد ولاء زائف ضد الحق والحقيقة، وهو بالتالي لا يتعدى وصف كونه سلوكاً محتقراً، يعتمد إيماناً يتناقض مع طلب العلم، وعلى تقوى هي توأم التعصب والجهل، وبين ولاء قائم على أساس أن الإبقاء على مرجعية الفقيه هي من باب حفظ المصلحة وتجديد الهوية وتفعيل النشاط الاجتماعي. وعلى أساس هذا التمييز يتحدد المقصود، وأيّ شيء هو المراد من مقولة التيار الصدري، خاصة وأن هناك ارتباطاً بالمرجع والفقيه والقيادة يصادر وعي الجماهير ويتعالى عليهم ويشيد سلطته وهيبته على تخلف الناس وقلة إدراكهم، فتتحول العلاقة بالفقيه والعوائل الدينية إلى علاقة طبقية وليست علاقة وظيفية مفادها رجوع الجاهل بحقل معيّن أو اختصاص ما، إلى العالم بذلك الاختصاص ؛ بينما هنالك ارتباط بالفقيه والقيادة يستند إلى تثوير الناس وتفعيل الوعي والإدراك فيهم فيكون الجميع طبقة واحدة تكافح من أجل صنع مستقبل آخر كل على قدر إيمانه ومعرفته وشدة عزيمته.

* * *

لا يوجد ما هو أكثر إيلاماً وأعمق جرحاً من أن يناضل شخص ويجاهد امرىء من أجل قضية وفئة معينة وينال العقوبات القاسية، ثم تدور الأيام فيجد الشخص نفسه مضطهداً من قبل ذات القضية والفئة التي كافح من أجلها. هذه بالتحديد هي علاقتي مع التيار الصدري منذ أعوام 1994 وما بعدها، لأنّ الارتباط بحوزة محمد محمد صادق الصدر ومدرسته كان يمثل شبه انشقاق عائلي وأمني داخل القبيلة ومنطقة السكن ومسقط الرأس، حيث القبيلة وأهل الحي لهم وجهة نظر مناقضة تماماً لمشروع محمد محمد صادق الصدر الذي خرج لتوه من السجن بعد رحلة تغييب طويلة. وهذا الارتباط بحركة الصدر الثاني يمثّل شبه نزق طفولي وصبياني من خلال رؤية كبار القبيلة وشيوخ العائلة الخائفة والمتوجّسة.

لكن حركة الصدر الثاني أخذت تلهب الجماهير وتشعل النيران المطمورة تحت رماد الحصار العقلي الذي كانت تمسك بزمامه سلطة العفالقة والبعثيين، والحصار الاقتصادي الذي كان بيد الولايات المتحدة والقوى الدولية المتجبرة، فبات الصدر الثاني ناراً متسارعة الحريق في محيط متيبس، خصوصاً في مدينة «قم» الإيرانية حيث تمركز الأنتلجينسيا العراقية المعارضة وأحزابها السياسية، وكلاهما يعيش وضعاً ملتبساً إبان خسارة المواجهة الشعبية للسلطة البعثية في بغداد بعد الوضع المخزي للنظام العفلقي في أعقاب اجتياح قواته للكويت. في ذلك الوضع كان مجرد تداول صورة فوتوغرافية للصدر الثاني أو الاستماع إلى شريط مسجّل لإحدى محاضراته وخطبه في الكوفة، يمثل خطورة أكبر من تهريب السلاح أو المخدرات؛ فاسم الصدر الثاني كان حينذاك لوحده يمثل اختراقاً لنظام ولاية الفقيه، وعملية تعذيب وكيل الصدر أبو كاظم البغدادي، مشهورة ومعروفة.

وبعد حادثة الاغتيال التي تعرض لها الصدر الثاني، أصبحت مرحلة الدفاع النظري عن المشروع، والتي كانت تكلف الكثير من العناء العلمي والعملي في دولة ولاية الفقيه الفارسية، التي وجدت، عن حق، في مشروع الصدر الثاني أخطر حركة وعي شيعي من حيث طبيعة الفكر الصدري بهدف إعادة منظومة الانغلاق الديني إلى انفتاح جماهيري ملتهب، خصوصاً وأن السلطة الإيرانية بذلت الكثير من الجهد في متابعة هذه المدرسة الفكرية والجماهيرية من خلال مراقبة جميع الندوات والمطبوعات التي كانت تتناول تراث الصدر الأول محمد باقر الصدر، وبالتالي فقد اطمأنت إيران ـ ولاية الفقيه بأن الفكر الصدري قد بات في قبضتها، فكان ظهور الصدر الثاني بذلك الشكل الصادم الصريح مفاجأة كبرى لم تكن بالحسبان.

الصفحات