أنت هنا

قراءة كتاب مملكتي من هذا العالم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مملكتي من هذا العالم

مملكتي من هذا العالم

كتاب " مملكتي من هذا العالم " ، تأليف جودت نور الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1

ما قبل الكلام...

هذه القصائد ـ يا أخي القارئ ـ تكاد تكون منك بقدر ما هي لك:

أولاً... لأن أرواحنا الفردية منبثقة من الروح الكبرى في هذا الكون. والشعر ـ كماهيّة ـ هو شوق هذه الأرواح الجزئية إلى تلك الروح الواحدة. وهو ـ كفنّ ـ سعيها ووسيلتها إلى التحرر من المادة لمعانقة الروح الكبرى: إنه حنين آتٍ من المستقبل...

وإنه لَسؤال وجودي مقلق دائماً، وجواب نوراني مدهش أبداً، ولكنه ناقص أبداً، نقصانَ لغة الفن عن التعبير الأمين الوافي. ولذا قاربتُ تعريفه منذ حوالى خمسين عاماً بالقول: «إنه علامة استفهام تليها علامة تعجب تليها ثلاث نقاط» (1).

وهذه القصائد تكاد تكون منك بقدر ما هي لك:

ثانياً... لأن القصيدة ـ بما فيها العبثية ـ هي دائماً صنع اثنين: الشاعر والآخر. فهذا الآخر ـ قارئاً أو مستمعاً ـ حاضر أبداً في وجدان الشاعر، في مرآة وعيه وفي بئر لاوعيه، اعترف الشاعر بذلك أم لم يعترف. وإذا صح الزعم بأن الشاعر ـ أو الأديب عموماً ـ لا يعرف لماذا يكتب، أي أنه يكتب عفواً، إلهاماً طبيعياً يفيض من النفس والذات... فلماذا ينشر ما يكتبه إذاً؟

إن المجتمع بكليته جزء عظيم من شخصيتنا. والأدب ـ بما هو تعبير عن الشخصية ـ شجرة ثمارها في جذورها مثلما جذورها في ثمارها.

الشعر أكثره اكتشاف وأقله إبداع، والعبقري جمع في مفرد...

... وإن هذا يشكل تحدياً للشاعر المسؤول كي يبتدع نسقاً جديداً في التعبير، لغةً في اللغة، لمّاحةً وحمّالةَ أوجُه، يلاقي بها أشواق الآخر ـ الذي هو أيضاً جمع في مفرد ـ فيحفزه بنص ذكي على الاكتشاف ليشعر بأنه قطب موجب لا سالب فقط، ويستمتعَ بالإعجاب بنفسه، فضلاً عن الإعجاب بغيره...

والنص الذكي المعني يفترض غموضاً أسمّيه «الغموض الخلاق»، شرط أن يكون غموض غلالة لا غموض حجاب، وإلا فإن الشعاع لن ينفذ والرسالة لن تصل... إذا خرجت المعاني المحتملة عن دائرة الخيال والتصور لدى المتلقي تموت القصيدة. يجب أن نبقي على «خيط أريان» كي لا نضيع في المتاهة وكي لا يبقى المعنى في... قلب الشاعر!

الغموض إغراء، فيما الوضوح فجاجة والعتمة تعمية... فيما السهولة تسجن والصعوبة تحرر.

... وإن الغموض الفني لضرورةٌ أخلاقية أيضاً: إنه يدل على احترامنا للآخر باعتبارنا لوجوده وذكائه منذ البدء بالعمل، كما يدل على حبنا إياه لرغبتنا في أن ينال هو بدوره حظاً من التحرر والخلاص بمعاودة عملية الخلق الشعرية.

إنما الشعر سفارة من الإنسان إلى الإنسان، وكل شاعر سفير، إذا تأملت، وما كل سفير شاعراً، إذا لاحظت... وإنساننا هذا أرض وسماء إذا شئت، أو سماء وأرض، إذا فضّلت... وعنده أن الخير والحق والجمال قيم مترادفة أكثر مما هي متعاطفة، وعنده أيضاً أن الروح في الشعر ـ كما في اللغة ـ مذكر ومؤنث في آن...

وإنى لن أبسط الكلام على لغة الشعر في هذا المقام، فلقد فعلتُ في كتابي «مع الشعر العربي...» منذ سنين (2). ولكن لا بد لي هنا من الإشارة إلى أن هذه اللغة ـ على المعنَيَين ـ ينبغي أن تفي بشرطين:

أ ـ الأول أن تجمع الصفاء إلى العمق والبراءة إلى الوعي. فإذا افتقر الصفاء إلى العمق كان الماء قليلاً، وإذا افتقرت البراءة إلى الوعي انتفت المتعة، إذ يصير النوم فناً، مثلاً. ولهذا السبب بالتحديد كانت أحلام اليقظة أمتع من أحلام المنام، وكانت العبقرية أفضل من الإلهام...

ب ـ وأما الشرط الثاني للغة الشعر ـ ودائماً على المعنَيَين ـ فأن تكون على عمود الشعر، ولكن بمفهومه الأصيل، وليس بذلك الشائع بين العامة من مطابقة الكلام على تفاعيل البحور وتوحيد القوافي مما هو نظم و«صف كلام»...

الصفحات