كتاب " ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية " ، تأليف ابن رشد نقله إلى العربية عماد نبيل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية
حياة ابن رشد وأعماله
طبقاً لروايات كاتبي السيرة التالين: عبد الواحد المراكشي (المتوفى في عام 1224)، ابن أبي أصيبعة (المتوفى في عام 1270)، ابن البار (المتوفى في عام 1260) والأنصاري (المتوفى في عام 1288)، وُلِد ابن رشد في مدينة قرطبة في اسبانيا في عام 1126 من أسرة بارزة معظم أفرادها كانوا قضاة ورجال دولة. فأبوه وجده أيضاً خدم كقاضٍ ـ كلاهما يتبع المذهب المالكي ـ في قرطبة. درس ابن رشد الفيلسوف الشاب في بداية حياته الفلسفية: الفقه والأدب وعلم الكلام والفلسفة والطب على أيدي عدد من الأساتذة، الذين في بعض الأحيان يذكر كاتبو سيرة حياة ابن رشد أسماءهم. فعلى سبيل المثال، كان من أساتذة ابن رشد في دراسة الطب: أبو جعفر هارون، وأبو مروان ابن جبرول من فالنسيا وقد تمّ ذكر اسميهما، لكن أقرب أساتذة ابن رشد في هذا الموضوع هو أبو بكر بن زاهر (المتوفى في عام 1162). ولسوء الحظ لم يذكر لنا هؤلاء المؤرخون أسماء الأساتذة الذين تتلمذ ابن رشد على أيديهم في موضوع الفلسفة، مع هذا يبدو أن ابن رشد قد تأثر إلى حد كبير بابن باجة، الفيلسوف الذي يُعتبر المسؤول الأول عن إدخال الفلسفة والتعريف بها في الأندلس، والذي كان يحظى بتقدير وبمكانة خاصة عند ابن رشد.
بالإضافة إلى ذلك، كان ابن رشد صديقاً حميماً لابن طفيل، الفيلسوف الذي عمل كطبيب في بلاط الخليفة أبو يعقوب يوسف، الذي يظهر لنا المؤرخون أنه كان لديه اهتمام حقيقي بالفلسفة آنذاك. مع ذلك، فإن اتجاهات الإشراقية والصوفية في فلسفة ابن طفيل لم تترك أي أثر يذكر على ابن رشد، الذي كان ناقداً لاذعاً وقاسياً للاتجاهات الإشراقية عند ابن سينا بالإضافة إلى الاتجاهات الصوفية للغزالي، والفيلسوف الأخير لعبت أفكاره الفلسفية دوراً حيوياً ومركزياً في تشكيل المنظور الفلسفي لابن طفيل.
مع ذلك، لعبت صداقة ابن رشد لابن طفيل دوراً أكثر من المهم في تحديد اتجاه النتاج الفلسفي لابن رشد لاحقاً، بما أن ابن طفيل هو الفيلسوف الذي عرف ابن رشد إلى الخليفة وأدخله في حضرته في عام 1169 على وجه التحديد، ممتدحاً فطنته الفلسفية وحسه العميق في فهم فنون الفلسفة. ويخبرنا المؤرخ المراكشي أن الخليفة وجّه سؤاله التالي إلى ابن رشد وهو: ماذا يعتقد الفلاسفة في ما يتعلق بطبيعة السموات؟ بعبارة أخرى، هل هي أبدية أم محدثة في الزمان؟ لكن ابن رشد ارتبك وخاف حيث أنكر اشتغاله بدراسة الفلسفة. ومن أجل أن يبدد الخليفة مخاوفه، بدأ يشرح وجهات نظر أفلاطون وأرسطو وفلاسفة آخرين حول تلك المسألة، وبالإضافة إلى ذلك عرض أيضاً اعتراضات المتكلمين المسلمين المخالفة لوجهات نظر الفلاسفة في هذا الأمر إجمالاً. ويذكر أن ابن رشد، بعد استماعه لرأي الخليفة باهتمام شديد، أخبر أحد تلامذته لاحقاً، أنه وجد في الخليفة شخصاً وافر المعرفة وغزيرها حتى إنه لم يتوقع أن يجد تلك المعرفة حتى عند أكثر المتخصصين إمكانية في هذا الحقل المعرفي1.
ونتيجة لهذا اللقاء المهم بين ابن رشد والخليفة بدأ النشاط الفعلي لمهمته كفيلسوف. فلقد كان الخليفة قارئاً نهماً لأرسطو، وقد اشتكى لابن طفيل من غموض المصطلح وصعوبة اللغة الفلسفية لأرسطو أو لمترجميه، وعبر عن رغبته أن يتصدى ابن طفيل إلى مهمة تأويل وتفسير أعمال أرسطو ويرفع عنها قلق وغموض العبارة الذي يسود هذه الأعمال ويقدمها مرة أخرى بلغة مقروءة. لكن تقدم السن عند الفيلسوف ابن طفيل جعله يعتذر عن أداء المهمة الشاقة، وعليه فقد نصح في أن تُوكل هذه المهمة إلى ابن رشد، الذي كان ابن طفيل يكن لمقدرته ولموهبته الفلسفية عظيم التقدير. ومنذ ذلك الوقت، بدأت مهنة ابن رشد كمعلق أو شارح لأعمال أرسطو، علماً أن بواكير أعماله حول أرسطو مثل، تلاخيص لأجزاء الحيوانات، كون الحيوانات والحس والمحسوس كانت قد كتبت حوالى العام نفسه أي 1169.
حينما تولى السلطة أبو يوسف يعقوب، الملقب بالمنصور خلفاً لأبيه في العام 1184، بقي ابن رشد يتمتع بالمكانة نفسها والرعاية الملكية التي كان يتمتع بها في عهد الخليفة الراحل. ولكن في العام 1195، وعلى الأرجح استجابة إلى الضغط الشعبي الذي أثاره الفقهاء المالكيون ضد الفلسفة وتدريس العلوم اليونانية والقديمة، عانى ابن رشد ـ باعتباره الممثل الشرعي للفلسفة اليونانية آنذاك ـ محنة كبيرة وفقد تقريباً كل الامتيازات والرعاية الملكية التي منحها له الخليفة. لكن الروايات التاريخية تخبرنا بأسباب مختلفة أدّت إلى محنة ابن رشد تلك، فمثلاً يُقال أن تهماً متنوعة قد وجهت إلى فيلسوفنا. وبهذا الصدد يذكر ابن أبي أصيبعة أن سبب محنة ابن رشد يعود إلى أنه أشار في كتابه «كتاب الحيوان» إلى المنصور بلقب «ملك البربر» للحط من قيمة الأمير مما أثار حفيظة الأمير وحنقه ضد ابن رشد، لأن كلمة بربر بالعربية تعني القوم الهمج. وفي ذات الصدد، يعزو المؤرخ الأنصاري محنة ابن رشد ونفيه إلى سبب آخر وهو أن ابن رشد يقول في ما يتعلق بقوم «عاد» المذكورين في القرآن الكريم (19:54) والريح التي هبت عليهم وأهلكتهم: «إذا كان في الواقع وجود قوم عاد هو أمر غير يقيني، إذن فمن أين جاءت الأخبار عن هلاكهم بواس
طة ريح»2. أما رواية المراكشي فمختلفة تماماً، فهو يعزو محنة ابن رشد إلى إشارته إلى الكوكب فينوس على أنه واحد من الآلهة3. بالإضافة إلى ذلك كان الخليفة في ذلك الوقت مشتبكاً في معارك حامية الوطيس مع المسيحيين في اسبانيا، وعليه فقد قرر كسب ود الفقهاء الذين كان لهم ومازال تأثير عارم على العامة بمعاقبة ابن رشد ونفيه إلى مدينة صغيرة تسمى (اليسانه) تقع قرب قرطبة، حيث أعلن تحريم كتبه وأمر بإحراقها، بالإضافة إلى تحريم تدريس الفلسفة. تحت وطأة تلك الظروف المجحفة والظالمة، كان ابن رشد بحق ضحية لبراعة الأفكار الخسيسة التي دبرها الفقهاء آنذاك، الذين كانوا يكنون له الكره والحسد. ولكن حين عاد الخليفة من مراكش، ولأسباب ربما غير معروفة، قرر أن يصدر أمراً في عودة ابن رشد إلى مدينته وإلى وضعه السابق. لكن ولسوء الحظ، لم يتمتع ابن رشد بهذه العودة كثيراً فقد وافه الأجل في مراكش في التاسع من صفر عام 595هـ.
لقد غطت كتابات ابن رشد مساحات واسعة لموضوعات متعددة، شملت الفلسفة، والطب، والفقه واللغة، وكانت بالحقيقة أكبر بكثير من ما خلفه أسلافه في عالم الشرق الإسلامي. مع ذلك فإن الجزء الأكبر من نتاجه الفلسفي كان ينحصر في كتابات التعليقات (الشروحات) وإعادة الصياغات لكتابات أرسطو، باستثناء كتاب «الضروري في السياسة» الذي كان تعليقاً على كتاب «الجمهورية» لأفلاطون. والتعليقات تنقسم بالعادة إلى ثلاثة أقسام: (1) التعليقات الكبيرة، ونعني بها (التفاسير)؛ (2) والتعليقات المتوسطة، ونعني بها (الشروح)؛ (3) والتعليقات الصغيرة، ونعني بها التلاخيص أو (الجوامع). والجدير بالملاحظة فعلاً أن أعمال أرسطو التي كتب عنها ابن رشد التعليقات الثلاث هي: «الطبيعة»، و«ما بعد الطبيعة»، و«الحيوان»، و«السماء والعالم» و«كتاب القياس»، بالإضافة إلى ذلك كتب ابن رشد تعليقات عن «مسألة العقل» عند الإسكندر الأفروديسي، و«الميتافيزيقا» عند يوحنا الدمشقي، و«المدخل» لفرفوريوس و«المجسطي» عند بطليموس.
إلى هذه القائمة من مؤلفات ابن رشد فيما يخص التعليقات، ينبغي بالأحرى إضافة سلسلة من مؤلفاته الفلسفية الأصلية، حيث البعض منها تمّ حفظه بلغته الأم العربية، فيما حفظ الجزء الآخر إما باللغة العبرية أو باللغة اللاتينية. هذه المؤلفات تشمل بالواقع البحوث التالية: «في العقل»، و«في القياس»، و«في الاتصال بالعقل الفعال»، «في الزمان»، و«في جوهر الأجرام السماوية» و«في حركة الفلك». بالإضافة إلى بعض البحوث التي تتضمن حواراً ونقداً لآراء الآخرين التي حفظت ومنها على سبيل المثال: «مقالة في مقاربة الفارابي للمنطق مقارنة بأرسطو»، و«الأسئلة الميتافيزيقية التي تمّت معالجتها في كتاب الشفاء لابن سينا» و«دحض تقسيم ابن سينا للموجودات إلى ممكنة بإطلاق، وممكنة بذاتها ولكنها ضرورية الآخر، وضرورية بذاتها».
أما في ما يتعلق بكتابات ابن رشد اللاهوتية فيمكن تقسيمها إلى ثلاثة مؤلفات هي: (1) «تهافت التهافت»، الذي يمثّل باختصار مؤلفاً فلسفياً يدحض فيه ابن رشد آراء أبو حامد الغزالي الواردة في كتابه المشهور «تهافت الفلاسفة»؛ (2) «فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال»؛ (3) «الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة»، وينبغي الإضافة إلى الأخير الملحق الصغير الذي يسمى «الضميمة»، والذي يتناول فيه ابن رشد طبيعة معرفة الله سبحانه وتعالى؛ ومؤلف آخر، كان قد فقد لسوء الحظ ولم يرى طريقه إلينا، يدعى «التقارب في المعنى بين آراء المشائين والمتكلمين من ديننا في ما يتعلق بطريقة وجود العالم».
أما مؤلفاته في حقل الشرع فقد شملت الكتب التالية: «المقدمة»، و«المصطفى أو أساس الفقه»، و«بداية المجتهد» الذي تمّ حفظه في لغته الأصلية. وفي ما يتعلق بمؤلفاته الطبية فيقف على رأسها كتاب «الكليات» والمعروف في اللغة اللاتينية (كوليكات)، وإليه يجب أن نضيف بعض البحوث القصيرة ومنها على سبيل المثال: «في الحمى» و«الترياق»، بالإضافة إلى قائمة طويلة من التلاخيص والرسائل المعادة صياغتها لبحوث غيلان الطبية، وأخيراً وضع ابن رشد تفسيراً لشعر ابن سينا الطبي الذي يدعى بالأرجوزة. ومع أن التاريخ يخبرنا أن ابن رشد قد كتب العديد من البحوث والرسائل في موضوعات القواعد واللغة لكن ولسوء الحظ ولا واحد من هذا الكتب قد تمّ حفظه.